ماعدا حقيقة ان أبقراط كان قد ولد في كوس في اليونان 460 ق.م فإن التواريخ التي عُثر عليها ، كما هو الحال مع اناكسيماندر ، من الغموض و الندرة حتى إنها لا تُغني القارئ .
ان معظم ما يُنسب إلى أبقراط تحتويه ( مجموعة أبقراط ) و هي سلسلة من ستين إلى سبعين مقالة طبية كتبت في أواخر القرن الخامس و بواكير الرابع ق.م . و مع ذلك و كما هو معروف لم يكن أبقراط هو من قام بكل هذه الكتابات و هذا هو سبب غياب تفصيلات كثيرة تدل على حياته الشخصية و الكثير من إنجازاته .
لقد كُتبت هذه المقالات عبر فترة زمنية امتدت لقرن کامل و تباينت بشكل كبير في الأسلوب و الطروحات ، و يُعتقد انها جاءت من مكتبة المدرسة الطبية في كوس و ربما تم تجميعها في بادئ الأمر من قبل مؤلف هذه المجموعة .
لقد تم منح أبقراط لقب الطبيب العظيم من قبل أرسطو و عُرف اليوم ( بأبي الطب ) .
قد يساورنا الشك في الكثير من مناحي حياته و لكن من المؤكد انه ساعد في وضع الحجر الأساس لعلوم الطب و كان المؤثر الأكبر في تطوره اللاحق الذي لم يغب حتى اليوم .
المنهجية المنطقية
بالنسبة لأبقراط كان المرض و الشفاء هي من الصفات الدنيوية و التي لا علاقة لها بالخرافات و الأساطير و الشعوذة , بل كان يركز بشكل كامل على الملاحظة الطبيعية و يسجل كل ما يراه و يتتبعه بالتحليل بدءً من الأعراض التي تظهر على المصابين و إنتهاءً بوسائل انتقال هذه الأمراض.
لقد كان التشخيص الأول لأي مرض امراً أساسياً لمنهجية أبقراط في مجال الطب , و اعتمد مبدأ الوقاية لتلافي الظروف المستقبلية التي من الممكن أن تكون قد تسببت في هذه الأمراض أصلاً .
ان تطوير العلاجات البعيدة المدى لم تكن ذات أهمية في نظره . فما يأتي من الطبيعة ، وفق أبقراط ، تشفيه الطبيعة . و لذلك كان دائماً ما يشفي مرضاه بـ :-
- الراحة
- النظام الغذائي الصحي
- التمارين
- النظافة الشخصية
- الهواء النقي
و هي تُعدعناصر علاجه و وقايته. فدائماً ما كان يكتب ان المشي هو أعظم علاج للإنسان .
نظرية الأخلاط الأربعة
اعتبر أبقراط الجسم حاوية متكاملة , فهو كاملاً يتأثر بتوازن وجود المواد الطبيعية بداخله . و كان يعتقد ان هذه الأخلاط التي تؤثر في تحقيق هذا التوازن هي :-
- الدم
- البلغم
- الصفراء
- السوداء
و عندما تتواجد هذه المواد بكميات متساوية سينتج جسماً صحيحاً . أما في حالة تغلب عنصر على آخر حينها سيُصاب بالعلة أو المرض .
ان أفضل الطرق لحل هذه المشكلة هو القيام بنشاطات معينة أو تناول أطعمة معينة تحفز الأخلاط الأخرى و بنفس الوقت تحد من تغلب أحدهما عالآخر و بالتالي تحقق التوازن و الصحة .
بالرغم من ان هذه المنهجية قد تبدو غير علمية مقارنة بمعايير طب اليوم , فأن فكرة أبقراط باقتران الأمراض بأسباب ( أرضية ) يُعتبر خطوة متقدمة في زمنه . إضافة إلى ذلك فأن نظرية الأخلاط سادت لألفي سنة تلت أبقراط حتى طرقت أبواب القرن السابع عشر و في بعض جوانبها القرن التاسع عشر .
فالنقاط التي أبرزها كأسلوب عيش صحي كالنظام الغذائي و التمارين يُعتبر إلى ما بعد ألفي سنة دواءً جيداً .
قدم أبقراط لغة تحاكي فرضياته و منها جاءت تسميات ميلانكولك و هي زيادة اللون الأسود باللغة اليونانية وفليكماتك عند تغلب البلغم في حالة ما .
قَسَم أبقراط
من المفارقة ان أبقراط لم يكتب ابلغ إرثه بيده , حيث أن قَسَم أبقراط ربما كتبه أحد تابعيه و هي مقالة قصيرة تتضمن قانون السلوك الذي يجب ان يتحلى به جميع الأطباء , و كان عليهم ان يقسموا عليه بأنفسهم .
فهذا القسم يؤكد على عدة محاور منها المسؤوليات الأخلاقية للطبيب تجاه مرضاه و التزامه بخصوصية المريض .
و كانت هذه هي المحاولة العملية لتجنيب أطباء ذلك الزمن من الخرافة إلى سلوك مهني , و استمر حتى يومنا هذا حين يؤدي خريجو المؤسسات الأكاديمية الطبية هذا القسم .
إرث أبقراط
قبل أبقراط لم يكن هنالك ما يُشير إلى وجود أي منهج علمي في الطب , فكان الناس يؤمنون بان المرض هو عقاب الالهة و ان التدخل الإلهي لا علاقة له بالطبيعة المعاشة و انما يأتي مما وراء الطبيعة .
ان العلاج الوحيد يأتي من الغيب و السحر ومن عمل الطلاسم ومن الشعوذة أو الممارسات الدينية و الإستعانة بالطبيب الساحر .
واجه أبقراط هذا التوجه بصلابة كبيرة حَيثُ كان مقتنعاً بضرورة تبني منهجية عقلانية تقابل سابقتها الهستيرية , و بسببه انتقل الطب إلى عصر المنطق .
توفي أبقراط سنة 377 ق.م و هو القائل :-
العلم و الرأي : فالأول يجلب المعرفة و الثاني الجهل