سعد بن أبي وقاص

سعد بن أبي وقاص
 

 سعد بن أبي وقاص كما اشتهر في التاريخ هو سعد بن مالك بن وُهيب القرشي الزَهري.

 نشأ و شَب على الاسلام, فدخله يوم لم يدخل في هذا الدين غيرُ ثلاثة و عمره سبع عشرة سنة.

 و هو أول من رمى بسهم في سبيل الله, و أول من أراق دماً في سبيل الله.

 شهد المشاهد كُلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم. و كان قائداً شهما إمتاز بعبقريته العسكرية و حنكته و دهائه, و كانت مهنته بري النبال التي انطلق منها الى البطولة.

 لقد تولى قيادات و ولايات لعمر و عثمان و نال ثقتهما, و كان أحد أصحاب الشورى حين طُعن عمر, و توفي رسول الله و هو عنه راض, و هو أحد العشرة المبشرين بالجنة.

 أسلم قبل أن تُفرض الصلاة, و كان الرسول صلى الله عليه و سلم يعتز بسعد لأنه من بني زُهرة و أم رسول الله عليه الصلاة و السلام زُهرية و هو إبن عمها.

قصة إسلام سعد بن أبي وقاص

 كيف أسلم سعد؟ 

و كيف أصبح سعدُ رابع المسلمين؟ 

بلغ سعد أن رسول الله يدعو الى الإسلام مُستخفياً فلقيه في شِعب أجياد ( جبل بمكة المكرمة ) فأسلم سعد و لم يسبقه في ذلك إلا زيد بن حارثة و علي بن أبي طالب و أبو بكر الصديق رضي الله عنهم. 

كان سعد باراً بأمه, يحبها حباً عظيماً, فلما أسلم و سمعت بإسلامه قاطعت الأكل و الشرب حتى يدع سعد دينه الجديد. 

أصر سعد على إسلامه و عرفت أمُه إصراره على التمسك بهذا الدين, فذهبت تأكل و تشرب لتنقذ نفسها من الموت الأكيد.  

بينما كان سعد يسير مع بعض أصحاب رسول الله عليه الصلاة و السلام إذا بجماعة من المشركين يُعيبون عليهم إسلامهم, فقاتلوهم, فضرب سعد رجلاً من المشركين بلحى بعير فشجَهُ فكان أول دم أُهرِيْقَ في الاسلام. 

سعد بن أبي وقاص مُستجاب الدعوة

صاحب سعد بن أبي وقاص رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم, وقد استفاد من هذه الصحبة علماً و حِلماً و صبراً و شجاعة. 

وحين قويت شوكة المسلمين و انقلب ميزان القوى من كفاح سلبي و نشر الدعوة في الخفاء, الى قتال مُسلح و التقاء السلاح بالسلاح و الجنود بالجنود في الميدان,فكانت معركة بدر نقطة تحول في تاريخ المسلمين, كان سعد أحد فرسانها. 

بعد بدر كانت معركة أحد, حيث لعب سعد فيها دوراً بارزاً, و فيها استخرج الرسول صلوات الله عليه ما في كِنانته من أسهم و أعطاها لسعد ثم  دعا له قائلاً: ( اللهم سدد رميته, و أجب دعوته) فكان سعد إذا رمى أصاب و إذا دعا أُستجيب له. 

لقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يوماً بين أصحابه, فأخبرهم أن رجلاً من أهل الجنة سوف يطلعُ عليهم, و راح الصحابه يفكرون في ذلك الرجل, فطلعَ سعدُ. 

هذه المكانة العظيمة و الأفضلية بأن يكون سعد من أهل الجنة, ليس لأن سعد يعمل أكثر مما يعمل الصحابة جميعاً و يعبدون, بل لأنه لا يحمل لأحد من المسلمين ضغناً و لا سوءاً .. و هذا ما أخبر به سعد. 

كان لِقدم سعد في الإسلام دورٌ كبير في فهم الإسلام, و استيعابه. ثم اغترافه من مَعينه العذب الصافي, و كان سعد تقياً ورعاً مُجاب الدعوة, لأن الرسول صلى الله عليه و سلم قال: (اللهم استجب لسعد إذا دعاك ) فكان لا يدعو بدعوة إلا استجيب له. 

كانت دعوة سعد بن أبي وقاص كالسيف القاطع و كالنور ينبلج بعد ظلام. و كان الصحابة لا يختلفون مع سعد خشية أن يدعو عليهم, و إذا ألم بهم مكروه ذهبوا اليه ليدعو لهم فيستجيب الله دعاءه, و ينكشف ما بهم من سوء. 

 سعد بن أبي وقاص القائد المجاهد

أيامُ عمر رضي الله عنه أيام مجد و عز و فخار, أيام فتوحات و عدالة, أيام مساواة و تنظيم دولة. 

لقد جاءت أخبار مقلقة لعمر من جبهة العراق تقول: لقد نكث أهل العراق العهد و استشهد من المسلمين في معركة الجسر نحو أربعة آلاف مسلم, و أن الفرس راحوا يتابعون هجماتهم. 

هنا قرر عمر أن يقود جيش المسلمين الى العراق ليجاهد في سبيل الله, و خرج بالمسلمين خارج المدينة, فنصحوه بالعودة و اختيار قائد لهذا الجيش. قال لهم عمر: فمن ترون أن نبعث الى العراق؟ 

صمت المسلمون و راح كل واحد منهم يفكر فيمن سيقود هذا الجيش لمجابهة الفرس, و ينال شرف القيادة البديلة لقيادة عمر!! ثم ظهر صوت عبد الرحمن بن عوف بين الناس مقترحاً بأن يكون سعد بن مالك الزهري القائد , و وافقه المسلمون على هذا الإقتراح. 

لقد امتاز سعد بن أبي وقاص عن غيره بصفات حسنة, كان كثير البكاء خوفاً من الله, و حين يسمع مواعظ رسول الله عليه الصلاة و السلام و دروسه يرق قلبه, و تفيض عيناه بالدمع خوفاً من الله و طمعاً بجنته. 

كان سعد متواضعاً في لباسه, يلبس بُردة من صوف كبردة الأعراب, و يسكن في مسكن متواضع, فبيته بسيط, لا يتطاول على أحد, و لا يتعالى على أحد. و في هذا اللباس المتواضع و البيت المتواضع يكمن الأسد في عرينه.

سعد بن أبي وقاص في القادسية

 طلب عمر من سعد أن يرسل وفداً من جيشه إلى يَزدجرِد ملك الفرس لعرض الإسلام عليه, فأرسل سعد عدداً من الرجال منهم النعمان بن مُقرن, و المغيرة بن زُرارة. 

كان طلب وفود سعد الى يزدجرد : الجزية أو القتال أو الإسلام.فما كان من يزدجرد إلا أن يرسل جيشاً لقتال المسلمين بقيادة رستم. 

لا ينسى المسلمون سنة أربع عشرة للهجرة التي وقعت فيها معركة القادسية بين المسلمين و الفرس بقيادة سعد بن أبي وقاص, و ما أسفرت من نصر مؤزر, و لا ينسوا أيامها الخالدة: أرمات, و أغواث, و عماس, و القادسية حيث انتصر المسلمون في اليوم الرابع انتصارهم التاريخي, كان المسلمون ثلاثين ألفاً بينما كان الفرس أكثر من مائة و عشرينَ ألفاً. 

كان سعد مريضاً بدمامل في جسمه, و عرق النسا الذي جعله يُلازم الفراش فلا يستطيع أن يركب فرساً, و لا يستطيع أن يلبس درعاً, و استلقى سعد فوق السطح يراقب سير العمليات العسكرية, و يُصدر أوامره و هو مُتكئ على وسادة. 

استعمل الفرس في قتال المسلمين الفيلة التي تحمل الصناديق على ظهورها, و في كل صُندوق نحو عشرة رجال. 

راح المسلمون يقطعون سيور هذه الصناديق فتسقط على الارض و تتكسر. و كانت هذه الفيلة قد أرهبت خيول المسلمين لأنها لم تألفها في حرب أو سلم, فراح المسلمون يُبرقعون خيولهم و يزركشونها فخافت منها الفيلة و نفرت. 

جاء اليوم الثاني ( يوم أَغواث ) فأبلى فيه القعقاع بن عمرو التميمي بلاءً عظيماًو استطاع أبو محجن أن يفك قيده و يركب فرسه البلقاء, و يمزق الفرس شر ممزق, و يعود إلى قيوده.فسمع سعد بما فعله أبو محجن فيفك قيده و يطلق أسره, و في هذا اليوم ذاق الفرس بداية الخُسران و التضعضع. 

أطلت شمس اليوم الثالث ( يوم عِماس ) حيث أصلح الفرس صناديق الفيلة و عززوا قُواتهم, و دارت معارك مستمرة لم يحقق أحد الطرفين نصراً على الآخر. 

في ليلة اليوم الرابع ( يوم القادسية ) ترك المسلمون الكلام فكانوا يَهرُون هريراً( أي يتهامسون ) حتى سُميت هذه الليلة ( ليلة الهرير ) و لم ينم المسلمون في تلك الليلة. 

حين دارت المعركة تقدَم القعقاع حتى تعثَر في سرير رستم الذي فر الى نهر ليعبره فلحق به هلال بن علقمة فضرب رأسه بالسيف فقتله و ألقاه بين أرجل البغال. 

إنهزم الفرس شر هزيمة, و راح المسلمون يقتلون و يأسرون, حتى أن مسلماً شاباً و احداً جاء يسوق ثمانين جندياً فارسياً أسيراً, يطأطئون رؤوسهم من الذل و العار.  

يا للعار و المذلة التي وصل إليها جيش الفرس, و قد أهانهم أبطال العرب بسبب الإسلام الذي اعتزوا به..!!!

 تلك قيادة سعد, و تلك حنكته العسكرية, و إدارته للمعارك الفاصلة التي جعلت من القادسية إحدى أكبر المعارك الإسلامية الخالدة. حيث نستطيع القول إن نار الفرس انطفأت بعد هذه المعركة.

سعد بن أبي وقاص فاتح المدائن

أرهب سعد بن أبي وقاص الفُرس كما أرهب خالد بن الوليد الروم, فبعد أن انتصر سعد في القادسية, تفرَقت جموع الفرس و راحت تجمع فلولها المنهزمة في المدائن, فقرر سعد مطاردتهم. 

عبر سعد بن أبي وقاص بجيشه نهر دجلة في موسم الفيضان, حيث عبروا النهر بمهارة مذهلة فكانوا يتحادثون و كأنهم على اليابسة يمشون.. إن الله قد ذلل لهم البحار كما ذلل لهم البر!! و خرجوا من النهر كما دخلوه لم يفقدوا رجلاً واحداً. 

عين سيدنا عمر رضي الله عنه سعداً أميراً على العراق, فأرسى قواعد الإسلام هناك, كما أرسى قواعد الكوفة.. 

شكاه العراقيون ذات يوم لعمر, و قالوا إنه لا يُحسن الصلاة.فكان سعد يقول: والله إني لأصلي بهم صلاة رسول الله, أطيل الركعتين الأوليين و أقصر في الأخريين. 

استدعاه سيدنا عمر, فحضر سعد دون أن يغضب لشكاية أهل العراق, و عزله عمر, ليطفئ حقد الحاقدين و ليغلق باب الفتنة و الفوضى التي قد تندلع بسبب دعواهم. 

ثم استدعاه سيدنا عمر رضي الله عنه ليرجعه أميراً على العراق لكنه رفض الإمارة بقوله أنه لا يعود الى قوم يزعمون أنه لا يحسن الصلاة.

وفاة سعد بن أبي وقاص

بلغ سعد ثمانين سنة, قريباً من العدو, جندياً من جنود الإسلام, بعيداً عن الخلافات التي حدثت بين الصحابة أيام عثمان و علي و معاوية رضي الله عنهم. 

كان سعد في داره بالعقيق قرب المدينة, حيث استلقى على ظهره, و رأسه في حِجر ولده. مات سعد بالعقيق, فحملوه على الأعناق إلى المدينة حيث صلى عليه أمير المدينة مروان و أزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم. ثم ووري في مثواه الآخير في مقبرة البقيع. 

مات رابع المسلمين, و بطل القادسية, و فاتح المدائن, و أمير العراق, مات المُبشر بالجنة رضي الله عنه.

 
نبض أقلام
بواسطة : نبض أقلام
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-