البلهارسيا | قارئة الفنجان تكشف الحقيقة المرة للعندليب الأسمر

عبد الحليم حافظ

 

المرض الذي قضى على على عبد الحليم حافظ هو البلهارسيا.. و لا غرابة أن يُصاب العندليب الأسمر بهذا المرض الذي عُرف في مصر منذ عصر الفراعنة, و دليل ذلك هو المومياءات التي وجد بعضها مصاباً بالبلهارسيا..

كان المرض واسع الإنتشار في مصر, إلى درجة جعلت قدماء المصريين يظنون أن الرجال يحيضون كما تحيض النساء !!

و ليست مصر هي البلد الوحيد - بين بلدان القارة السمراء - الذي تنتشر فيه بلهارسيا الجهاز البولي, بل إن معظم بلدان إفريقيا و كثيراً من بلدان الشرق الأوسط, تعاني من ويلات هذا المرض, و تلقى منه الأمرين !!

البلهارسيا نوعان:-

  1. بلهارسيا الجهاز البولي.
  2. بلهارسيا المستقيم.

و حديثنا سيكون عن النوع الأول الذي أصاب عبد الحليم.

عندما توفي عبد العندليب الأسمر, أحس الكثيرون أن جزءاً من أحلامهم قد مات, و ألقت فتاة مصرية نفسها من عمارة عالية, فماتت في الحال و ربما كانت ترجو اللقاء بالعندليب الأسمر في العالم الآخر !!

قارئة الفنجان

قارئة الفنجان
 

أُصيب عبد الحليم حافظ بالبلهارسيا منذ طفولته.. و أغلب الظن أنه لم يُعالج في بداية الأمر, فلم تكن الخدمات الصحية ميسرة آنذاك  في الريف المصري  .

كان عبد الحليم في بداية الأمر يتبول دماً, و عندما أصبح المرض مزمناً و وصلت آثاره إلى الكبد و المريء, راح يتقياً دماً..

و كلما كان العندليب الأسمر يتألق نجمه و تُدوي شهرته, كان المرض يُثقل عليه شيئاً فشيئاً, و يُعكر صفاء الشهرة و روعة المجد..

و انبرت له قارئة فنجان أخبرته بالحقيقة المرة, و حدثته عن دنياه المرعبة و حياته المليئة بالأسفار و الحروب و سمائه الممطرة و طريقه المسدود.

رحلة البلهارسيا من أولها

كان يمكن القضاء على البلهارسيا في افريقيا و غيرها من المناطق الموبوءة, أو أمكن ضمان عدم تبول المصابين في البرك أو المياه الراكدة..

و اعترف أحد الأطباء المصريين قائلاً:- " لقد عجزنا أن نُعلم أبناء الريف عملية بسيطة, و هي الدوران 180درجة عند التبول, فبدلاً من أن يبول أحدهم في الماء, يبول على اليابسة "

ان البيوض تخرج مع بول المصاب إلى الماء, حيث تفقس إلى يرقات صغيرة تُسمى ( ميراسيديا ) و التي سرعان ما تدخل في جسم نوع خاص من القواقع, تتكاثر فيه و تنضج خلال إسبوعين, لتخرج منه بهيئة يرقات مشطورة الذنب تُسمى ( سركاريا ).

هذه اليرقات تستطيع العيش حرة ليوم أو يومين, لتموت بعد ذلك إن لم تجد إنساناً تغزوه..

كان الطفل عبد الحليم يسبح مع أقرانه في إحدى البرك الموبوءة بالبلهارسيا في الريف المصري.. و رغم أن السركاريا لا تُبصر, فإنها اهتدت إلى هؤلاء الاطفال عن طريق الحرارة التي تشع من أجسامهم.. و استطاعت أن تخترق جلودهم الغضة.

و عندما تخترق الجلد, تتلقفها الأوعية الدموية الشعرية.. و لأن هذه اليرقات لا حول لها و لا قوة, فإن الدم يجرفها معه حتى الرئتين, لتنتقل منهما إلى الكبد.

تعددت آراء العلماء حول الطريق الذي تسلكه تلك اليرقات من الرئتين إلى الكبد .. و من هذه الآراء ما يؤكد على أنها تخترق الحجاب الحاجز.. و كما تعلم فإن الكبد يقع تحت الحجاب الحاجز مباشرة.

و خلال هذه المسيرة, تكون اليرقات قد تحولت إلى ديدان صغيرة تستقر في الكبد لشهرين أو ثلاثة شهور,  و في هذه الفترة تنضج الديدان,  و يصبح بعضها ذكوراً و البعض الآخر إناثاً.

رحلة غرام البلهارسيا

في الكبد تنشأ علاقة حب بين الذكور و الإناث.. و ذكر البلهارسيا له أخدود في جسمه يحتضن فيه أنثاه بلهفة و اشتياق, ليبدءا معاً رحلة الحب و الغرام.

و إذا كان الناس يقصدون المناطق السياحية الجميلة كشمة هوا أو شهر عسل, فإن تلك الديدان تسافر إلى المثانة حيث عيشها الرغيد على ضفاف البول !!

في هذه المرحلة الغرامية من الكبد إلى المثانة, تسير الديدان بعكس إتجاه تيار الدم, يساعدها في ذلك ممصات suckers تتشبت بواسطتها بجدران الأوعية الدموية..

و تمضي الديدان بقية عمرها في أوردة المثانة.. و كل أنثى تستطيع أن تضع 1500 بيضة يومياً..و بعض المصابين يحمل في مثانته مئة دودة أو أكثر.. و بهذا يطرح المصاب أعداداً هائلة من البيوض في بوله.. و تعود دورة الحياة من جديد إذا وجدت البيوض بيئة ملائمة كالبرك و المياه الراكدة..

و بعض البيوض لا تُطرح مع البول, إنما تنغرز في جدار المثانة , و تعبث بها ما شاء لها العبث !!

البلهارزيا nabdaqlam.website

متاعب مريض البلهارسيا

في بداية الأمر - عندما تخترق يرقات البلهارسيا الجلد - لا يحس المصاب إلا بحكة جلدية بسيطة, و قد يظهر طفح جلدي بعد يومين أو ثلاثة أيام من السباحة في المياه الموبوءة. و قد تدخل تلك اليرقات دون أن يحس المصاب بأية أعراض..

و تبدأ متاعب المريض عندما تصل يرقات البلهارسيا إلى الكبد , فوجود هذه الكائنات الغريبة في الكبد يسبب نوعاً من الحساسية .. و نتيجة لذلك :-

  • ترتفع حرارة الجسم
  • و يحس المريض بالتعب
  • و يتضخم الكبد و الطحال
  • و قد يُصاب باليرقان ( إصفرار بياض العين بسبب إضطراب وظائف الكبد )
  • و ربما ظهور طفح جلدي, مؤكداً ثورة الجسم ضد الغرباء !!

و أعراض الحساسية هذه تزداد شدة كلما ازداد عدد اليرقات الغازية.. و تستمر نحو شهرين أو ثلاث.

لكن الأعراض الرئيسية لبلهارسيا الجهاز البولي تبدأ عندما تصل الديدان إلى المثانة حيث تضع بيوضها. فبعض هذه البيوض يخترق جدار المثانةو ثم يُطرح مع البول , و يترافق ذلك بتبول دموي.. 

و في معظم الأحيان يكون البول نقياً أول الأمر, و تكون قطراته الأخيرة ممزوجة بالدم.. و قد يُلاحظ المريض قطرات من الدم تلطخ ملابسه الداخلية.. و قد يشعر المريض بحرقة عند التبول.

في هذه المرحلة يمكن تشخيص المرض بسهولة, و ذلك بفحص البول مجهرياً لمشاهدة بيوض البلهارسيا , و بيضة البلهارسيا ذات شكل متميز لا تُخطئه العين , فهي مدببة من إحدى نهايتها.

لو عولج المريض في هذه المرحلة, فقد يمكن شفاؤه بصورة تامة, أما لو أُهمل دون علاج, فعندئذ تبدأ مرحلة متعبة, و هي أسوأ مراحل المرض.. تلك هي المضاعفات.

المضاعفات

  • إن البيوض التي تخترق جدار المثانة تسبب تقرحها, و تلتهب هذه التقرحات و تتليف, و غالباً ما يظهر التليف عند إتصال الحالب بالمثانة, و هذا يؤدي إلى أضرار جمة تعيق عمل الجهاز البولي, و قد ينتهي الأمر بعجز كلوي..
  • و في بعض الحالات يتكلس جدار المثانة, و عندئذ تُمكن رؤيتها بالأشعة العادية , فتبدو و كأنها رأس جنين في رحم أمه !!
  • إن تكلس جدار المثانة يؤدي إلى إضطرابات شديدة في عملها, فتكثر مرات التبول, و قد يُصاب المريض بسلس البول..
  • و تبلغ المضاعفات ذروتها بالسرطان, فمن المعروف أن البلهارسيا تُمهد للإصابة بسرطان المثانة.
  • و ليست تلك كل المضاعفات, ففي جعبة البلهارسيا المزيد من العبث و التخريب, فقد ترحل بعض هذه الديدان أو بعض بيوضها إلى الجهاز العصبي !! و قد ترحل بعض البيوض إلى الرئتين, و تعبث بهما ما شاء لها العبث, و ربما يؤدي ذلك إلى عجز القلب.

علاقة البلهارسيا بالتقيؤ الدموي

في أيامه الأخيرة , أُصيب العندليب الأسمر بنوبات من التقيؤ الدموي.. إذن لقد قُرعت أجراس الخطر و آذنت شمس عبدالحليم بالأفول.

إذن ما علاقة البلهارسيا بالتقيؤ الدموي؟

إن ديدان البلهارسيا تقضي نحو ثلاثة شهور في الكبد قبل أن ترحل إلى المثانة, و هذه ذات تأثيرات سيئة على الكبد.. و بعض بيوض هذه الديدان قد ترجع من المثانة لتستقر في الكبد, و هذه ذات تأثيرات أسوأ.. و كل ذلك قد يؤدي إلى تليف الكبد, و هذا ما حصل للفنان الراحل.

تُرى, كيف يؤدي تليف الكبد إلى التقيؤ الدموي؟

إن أوردة الجزء الأسفل من المريء تمر بالكبد في طريقها إلى القلب ( شأن معظم أوردة الجهاز الهضمي ).. و إذا تليف الكبد, قطع الطريق أمام أوردة المريء تلك, و عندئذ يتجمع الدم فيها حتى تنفجر, و يتقيأ المريض ذلك الدم النازف من الأوردة.

العلاج

العقاقير المضادة للبلهارسيا هي العلاج الشافي لو أُستعملت في وقت مبكر قبل أن يستفحل المرض و يعبث بالجهاز البولي .

و قبل العلاج لا بد أن نعلم أن تلك العقاقير ذات أضرار جانبية غير يسيرة, و لهذا لا يحبذ استعمالها إلا بعد التأكد من التشخيص .. و يستثنى من ذلك إصابة الجهاز العصبي بالبلهارسيا, فحتى لو كان لدينا احتمال غير مؤكد على ذلك, فإننا نبدأ العلاج دون تأخير.

و العقاقير المضادة للبلهارسيا عديدة, و أكثرها استعمالاً هو نريدازول niridazole.

الخلاصة:-

لو أن جميع المصابين إمتنعوا عن التبول في المياه و لما كانت هناك فرصة لبيوض البلهارسيا أن تفقس و تحرر يرقاتها..

لو أن الناس لم يسبحوا أو يستحموا في البرك أو المياه الموبوءةو لما أصيب أحد منهم.



المصدر: أمراض المشاهير و غرائبهم/ د. صباح السامرائي

نبض أقلام
بواسطة : نبض أقلام
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-