التخفي و التكيف الطبيعي

 

التخفي و التكيف الطبيعي

إن الطبيعة مارست عملية التخفي و التكيف منذ ملايين السنين, كما هي الحال لدى الإنسان, و ذلك لأنه منذ استخدم الحيوان حاسة النظر في اصطياد الفريسة, تكيفت الفريسة لإخفاء نفسها, و تكيف الصياد حتى لا يُرى عند الاقتراب من فريسته.

كان الجنود قديماً أثناء الحروب, و حتى منتصف القرن الأخير يلبسون حُللاً عسكرية ساطعة اللون, و كان ذلك يفي بعدة أغراض, إذ كانت الملابس :-

  1.  تُمكن الجنود من تمييز رفاقهم من الأعداء.
  2. ترفع من قوتهم المعنوية عندما يرتدونها بأناقة.
  3. تُسبغ عليهم مظهراً مهيباً و خطيراً.

لكن بالنظر إلى التحسينات التي أُدخلت على الأسلحة النارية, أصبح واضحاً أن كل تلك الأغراض ليست بذات أهمية إذا ما قورنت بالخطر الناجم عن تقديمها للعدو هدفاً واضحاً يتمكن من ضربه.

ثم تغير لون الحلل العسكرية في القرن الثامن عشر و أوائل القرن التاسع عشر من اللون الأحمر و الأزرق الزاهيين إلى اللون الرمادي أو الأخضر الغامق أو إلى لون الطين المُسمى بالكاكي.

علوم التخفي العسكري

عندما ازدادت فاعلية المدفعية, كان من الضروري إخفاء قواعد الأسلحة و المعدات الأخرى الموجودة قريباً من خط النار.

و عند بدء استخدام الطائرات في قذف القنابل, كان من الضروري إخفاء معالم أكثر من ذلك مثل المصانع و مخازن الذخيرة و أي شيء يساعد تحطيمه المجهود الحربي للعدو, حتى و لو كان على بعد أميال كثيرة من الجبهة. 

لهذا السبب ظهرت دراسة علوم التخفي العسكرية, و بدت الحاجة ماسة إلى الأشخاص الذين تمكنهم دراستهم من تصميم وسائل فنية لخداع نظر العدو.

و قد تستغرب: أن أنجح من يقوم بعملية التخفي هم الفنانون و علماء التاريخ الطبيعي. 

سبب اختيار الفنانين واضح و ذلك لتقديرهم الشكل و اللون بسهولة, و لكن لماذا أُختير علماء التاريخ الطبيعي؟

كما أسلفنا في بداية الموضوع كيف أن الطبيعة مارست التخفي منذ ملايين السنين, و كيف أن الفريسة و المفترس تكيفا مع بعضهما, أحدهما ليفترس و الآخر لتجنبه. 

هذه الظاهرة و التي تُعد من عجائب الحيوان جذبت الدارسون , مُلهمةً لهم بأفكار كثيرة لإخفاء الأشياء بطرق اقتصادية مبسطة, لأنهم كانوا على علم بوسائل إخفاء الحيوان لنفسه.

فغالباً ما تتلون الحيوانات الكبيرة لكي تحاكي البيئة المحيطة بها, و المخلوقات الصغيرة مثل اليرقات و حشرات النطاط تتكيف لتشبه العصى و الأوراق.... 

 التخفي و التكيف بثوبي الصيف و الشتاء 

بين  ثدييات و طيور المنطقة المتجمدة الشمالية, أمثلة لذوات الفراء أو لذوات الريش التي تُغير لونها مع تغيير الفصول. و من الأمثلة:-

  • حيوان القاقوم و هو من فصيلة ابن عرس, و الذي يغير لون فرائه كلياً إلى اللون الأبيض في ثلوج المناطق المتجمدة الشمالية, عدا ذيله ذا الطرف الاسود. 
  • يفعل الثعلب و الأرنب البري في المناطق المتجمدة الشمالية مثل ذلك تماماً.

و جميع هذه الحيوانات لا يمكن تمييزها من ثلج الشتاء. و في الصيف تتخفى تماماً بألوانها الرمادية و السمراء بين النباتات المبعثرة و الجافة في نفس المنطقة. 

التخفي و تكيف الكائنات الحية مع البيئة

في الحشرات و الحيوانات التي تُغير لونها بسرعة, يحدث التغير عن طريق خلايا دقيقة تحت الجلد مباشرة, تُسمى حاملات اللون و هي مملوءة بصبغ أسود أو أصفر أو أحمر.

تتمكن هذه الحشرات أو الحيوانات من صبغ جلدها بلون واحد أو عدة ألوان مختلفة, و بلون قاتم أو فاتح.

من أشهر الحيوانات التي تغير لونها الحرباء و هي الحيوان الوحيد الذي يمكنه فعل ذلك. 

ومن الحشرات النطاط و هو من الحشرات التي تُعتبر من الأمثلة الحقيقية للتخفي. 

و نظراً لأن الكثير من حشرة النطاط يعيش على الأشجار و الشجيرات, فأغلب وسائله للتخفي تتمثل في تقليد الأوراق و الأغصان و الشجر, و قد يكون التخفي و التكيف دقيقاً جداً مما يحتاج إلى فحص دقيق للكشف عنه, و من غرائزه أيضاً أن يظل ساكناً تماماً إلا في حالة المشي أو التغذية.

التخفي و التكيف في الماء

معظم الأسماك ملونة و مبرقشة لكي تتلاءم مع الوسط الذي تعيش فيه من مرجان أو صخر أو عشب....

و هنالك الأسماك المفلطحة التي يمكن أن تُغير لونها الفاتح إلى غامق و بالعكس خلال دقائق قليلة, إذا ما تحركت من وسط إلى آخر.

و من أمثلة الأسماك التي يمكنها التخفي و التكيف: سمكة التربوط التي بإستطاعتها الرقود على قاع من الرمل و الحصى, مُقلدة له من حيث اللون و شكل البقع القاتمة و الفاتحة. 

و الأخطبوط و عجائب لا تنتهي  و الذي أفردنا له مقال خاص فيه لوحده أكبر مثال على التخفي و التكيف.

 

 

المصدر

نبض أقلام
بواسطة : نبض أقلام
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-