تحدثنا في موضوع سابق عن التراث الشعبي الفلسطيني و سوف نستعرض في موضوعنا هذا التراث بمفهومه العام و الإشكال المفهومي بين التراث و علاقته بالوحي.
لا بد لنا قبل الدخول في الموضوع أن نستعرض عدة نقاط :-
- ما هو التراث؟
- نقل التراث.
- هل التراث معصوم؟
ما هو التراث؟
إذا كان الميراث ما يخلفه السلف للخلف من الأموال و العقار, فإن التراث ما يخلفه السلف للخلف من العادات و القيم و الأخلاق و الأفكار و الوسائل و الأساليب و أنماط الحياة في جميع جوانبها.
- فالتاريخ
- اللغة
- الآداب
- العادات
- الاعراف
- الآثار
- الأطعمة
- الأشربة
- الملابس
- العمارة
- البناء,
كل هذا من التراث.
و كل أمة من الأمم تنقل الى خلفها جميع ما كان عليه سلفها, و هذا المنقول كله يُسمى التراث.
فالتراث حركة الانسان في التاريخ, بعد أن يكون حركته في المكان و الزمان. و أعمالنا بمجرد أن تنفصل عنا تصبح تراثاً.
كيف يتم نقل التراث؟
يتم نقل التراث من جيل الى جيل بشكل تلقائي و في الغالب من غير وعي,و قد ينقل احدنا ما ينفع و ما يضر, و ما يُعقل و ما لا يُعقل.
عند كثبر من الناس يأخذ التراث طابع القداسة:-
- إما لانتمائه الى الدين كما تُنقل قداسة الاضرحة و القبور و تصبح تراثاً مقدساً علماً بأن نسبة هذا التقديس للإسلام أمر لا يجوز, و الإسلام بريء من هذه البدع.
- و إما لانتمائه للآباء الماضيين من العرب أو غيرهم.
- و إما لانتمائه الى التاريخ البشري القديم.
الإشكال المفهومي بين التراث و الوحي
- الوحي: كلمة الله.
- التراث: حركة الانسان أو كلمته.
على هذا التفريق فإن القرآن الكريم و السنة النبوية يخرجان من التراث, لأنه لا دخل للانسان بهما, إلا في بعض الامور الشكلية مثل خط المصحف, و المادة الكتابية, و استخدام الألوان, و التغليف و التجليد و نقل المصحف الى شريط التسجيل أو الى الحاسوب.
هذه الأمور الشكلية التي تم ذكرها تدخل في التراث.
القرآن الكريم كلام الله تعالى, و ليس لمحمد صلى الله عليه و سلم سوى الحفظ و القراءة ثم البيان, و السنة وحي من عند الله باعتبار ان الله سبحانه قد عصم نبيه صلى الله عليه و سلم في أقواله و أفعاله.
هنالك أمر ثالث لا بد أن يخرج من مفهوم التراث لارتباطه بالوحي, و هو اللغة الذي نزل بها القرآن الكريم, لأن القرآن الكريم أكسبها صفة العصمة و الاعجاز, و هذه اللغة تدور مع النص و يدور النص معها...
قد ضبط علماء اللغة في عهد مبكر لغة التنزيل و ميزوها عن غيرها. و المفاهيم اللغوية للفظ القرآني لها قداسة الوحي.أمَا المفاهيم اللغوية التالية للنص, فانها تدخل في التراث المعرض للصواب و الخطأ.
هذه الميزة التي يمتاز بها القرآن الكريم و لغته, و تمتاز بها السنة لا تتوافر لأمة من الأمم الأخرى, فالوحي عند غير المسلمين اختلط مع حركة الانسان, ففقد صلابته و أصالته, و يُعتبر من التراث و يخضع للنقد كما يخضع التراث للنقد.
هل التراث معصوم؟
ما دام التراث حركة الانسان في التاريخ, و الانسان يُخطىء و يُصيب, فإن التراث يحتمل الخطأ و الصواب.
عندما نقرأ في كتاب من كتب الأقدمين:-
- سنجد نصوصاً نستقبلها بالطمأنينة و اليقين, و يؤيدها النص المعصوم, و العقل السليم, و الوجدان الصالح.
- و سنجد نصوصاً أخرى لا يشهد لها نص معصوم, و لا عقل سليم و لا يقبلها الوجدان, بل ينفر منها.
و تختلف نسبة الصالح الى الطالح مع اختلاف المؤلفين و اختلاف العصور, فالعصور الأولى أسلم و أنقى, و العصور المتأخرة مشحونة بما لا يقبله وحي و لا عقل.
بهذا ننفي عن التراث فكرة القداسة و الهيبة و القبول المطلق.