التراث الشعبي هو مجموعة العادات والتقاليد والسلوكيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وجملة القيم لشعب ما، إضافة الى مُجمل المنجزات الحضارية والمعنوية التي وصلته وراثة عمن سلفه من الأجيال.
لا ينفصل التراث الشعبي في فلسطين عن التراث الشعبي في الاردن، لما بين الأردن وفلسطين من تآخٍ وتواصل وعلاقات تنبثق من قاعدة حضارية مشتركة صنعها الأجداد عبر أحقاب متطاولة من الزمان.
وفي الوقت نفسه فإن التراث الشعبي في هذين القطرين لا ينفصل عن التراث الشعبي في الأقطار العربية الأخرى، لأن ثمة قواسم مشتركة من اللغة والتاريخ والحضارة والمعتقدات التي تعمق الجذور الواحدة لهذه الأمة، وتُغني التنوع الحضاري لها وإن ظلَّ هذا التنوع في إطار الوحدة.
فلكل قُطر عربي خصوصيات ينطبع بها تراثه، ففي الأردن خصوصية يختلف بها فن أبناء الكرك وتراثهم عن الفن الذي يُعرف به أهل الفحيص وتراثهم، وإن ظلَّ تراث المدينتين معاً جزءاً من وحدة النسيج الكلي لتراث الأردنيين جميعاً.
مجالات التراث الشعبي الفلسطيني
مجالات التراث الشعبي الفلسطيني متشعبة تشمل
- الغناء والرقص والموسيقا.
- الصناعات التقليدية.
- فنون من الشعر العامي والأمثال.
- ضروب من الحكايات والخرافات و الأساطير.
- العادات والتقاليد في الأفراح والأتراح.
- الطب الشعبي وأدواته.
- الحُلي والألبسة والأزياء الشعبية.الألعاب الشعبية.
يتميز التراث الشعبي في فلسطين بأهمية مزدوجة، فهو يقوم بدور مهم في توجيه الشعب، وفي تصوير أنماط حياته وسلوكه، وهو الى جانب ذلك يعكس الكثير من حياة هذا الشعب، وأفكاره ومشكلاته وأُمنياته،وإشتياقه الى التحرر من قيود التحكم والتسلط الأجنبيين.
ولهذا يُولي علماء الاجتماع والانثروبولوجيا( علم الإنسان) التراث الشعبي عنايتهم، لأنه يُتيح للدارسين فرصاً نادرة لا تُتيحها لهم كتب التاريخ.
فكتب التاريخ لا تعطينا صورة واضحة عن طبيعة الحياة الشعبية، إضافة إلى أنها قد تتعرض للتزوير وقد تصور بعض جوانب الحياة الشعبية على غير حقيقتها. بينما يتيح لنا التراث الشعبي التعرف الى طبيعة الحياة الشعبية بما يقدمه لنا من صور أصيلة لا تختبئ وراء الحواجز والأقنعة.
وأبرز ألوان التراث التي يُوليها الدارسون اهتماماً خاصاً هو الأغنية الشعبية الفلسطينية وما يرافقها من رقصات ودبكات وألحان، والأزياء الشعبية لا سيما ما كان منها للنساء.
الأغنية الشعبية الفلسطينية
تعكس الأغنية الشعبية الفلسطينية التي تشترك الأجيال في إيداع كلماتها وصياغة إيقاعاتها صوراً دقيقة حيّة لأشكال الحياة وهمومها.
وهي تُعبّر من بعض الوجوه عن إندماج الوجدان الجماعي وأحلام الناس برائحة الأرض وعبق التراب الفلسطيني المضمّخِ بالعرق والهم والدم.
كما تُظهر قوة إعتزاز الفلسطيني بقيمه وتقاليده وتضحيات أبنائه، وترتفع بأحلام المستقبل وأماني الناس في العيش بحرية وكرامة وعزة.
تأخذ الأغنية في فلسطين لونها الخاص من طبيعة المنطقة التي تظهر فيها، فللجبل أغنية وللسهل أغنية وللساحل والوادي والبوادي والسفح أهازيجها ومواويلها، وتَبِعَ ذلك أنْ صارَ لموسم قطف الزيتون أهازيج خاصة تختلف عن أغاني مواسم الحرث والبذار والحصاد، وإيقاعات مواويل جني محاصيل الحمضيات والكروم.
أما في المراعي الجبلية والبوادي فقد نقلَ الحُداء الشفاف معاناة الرعاة، كما صور صَبواتهم وأحلامهم بفتيات الحي وراعيات قطعان الماعز والضأن.
و برزت الاغنية الفلسطينية في مناسبات الأفراح من خِطبة وزواج وخِتان، و شهدت ليالي السمر والأعراس رقصات الشابات ودبكات الشبان وهم يُغنون على أنغام الآلات الموسيقية الشعبية كالمجوز واليرغول والشبّابة.
إنَّ تلك الأغاني والأهازيج البريئة تضع بين أيدي الباحثين وثائق اجتماعية على قدر كبير من الأهمية، فهي تُصور عادات الناس وتقاليدهم في هذه المناسبات، مع ما يتخللها من أعراف كالحديث عن أدبيات الخِطبة وعقد القران وليلة الزفاف، والاحتفاء بالمدعوين والعروسين.
إضافة الى ما لهذه الأغاني من دور ترويحي، فهي - على براءتها- تظل للنفوس والجسوم المتعبة بشقاء الحياة و العمل، فرصة للراحة والمتعة، في حين تحمل الكثير من الأزجال والمواويل الفلسطينية هموم المغتربين وتُعبر عن أشواقهم الى أوطانهم، كما تصور فرحة الغائبين وهم يعودون الى قراهم ومُدنهم، و فرحَ أهليهم وذويهم بهم وهم يستقبلونهم.
التراث الديني الفلسطيني
لمّا كانت فلسطين مَهبط الأنبياء كثُرت فيها المناسبات الدينية.
وقد اعتاد الفلسطينيون أن يقوموا بزيارة أضرحة بعض الأولياء ومقامات بعض الصالحين، وذلك في مواسم معينة عُرف منها على نِطاق الشعب الفلسطيني بعامة: موسم النبي موسى وموسم النبي صالح عليهما السلام، وكان يتخلل هذه المواسم أذكار وأدعية ومآكل واحتفالات ما تزال لها خصوصية وحضور في ذاكرة الناس.
الأزياء الشعبية الفلسطينية
الأزياء الشعبية الفلسطينية علامات دالّة على هوية هذا الشعب حيثما حلَّ أفراده وارتحلوا, ولها أيضاً أهمية كبرى في نقل تراث السلف الى الخلف.
والامر اللافت للنظر أنّ لكل منطقة في فلسطين زيّاً نسوياً خاصاً يختلف أحدها عن الآخر بالذوق الخاص في تحليته بخيوط الحرير، و بأصناف الحلي والجواهر التي تعلو الرؤوس، أو تثزين بها الصدور. وهو زي يتميز بالاحتشام والجمال، ويلمس المرء من خلال خطوطه و أشكاله و ألوانه تجانساً وتناسقاً يُظهران ذوق فريد في تطريزه وتفصيله.
الأمثال الشعبية الفلسطينية
يزخر التراث الشعبي في فلسطين بالأمثال العامية، وهي على قصرها تختزن مواقف معينة وخبرات خاصة. ومن خصائصها:-
- سهولة الحفظ.
- سهولة التلقين.
- القصر. العفوية الصادقة في الحديث عن أحوال الناس من سعادة و بؤس وقوة وضعف، حيث تُعلي من شأن الأقوياء وتسخر من تخاذل المتخاذلين.
ولهذه الأمثال أهمية كبرى منها:-
2- تكشف عن علاقة الفلسطينيين بإخوانهم في بقية الأقطار العربية نظراً لتشابه الأمثال الفلسطينية مع الأمثال العامية في هذه الأقطار.
3- تختزن خبرات خاصة ومواقف معينة يعتبر بها الناس.
قد أدرك أبناء هذه الأمة ما للتراث الشعبي من دور في تجسيد روح التآخي بين أبناء فلسطين في الداخل والخارج، وما لهذا التراث كذلك من صلة في تعميق العلاقة بين الارض والانسان، فنشطوا في تدوينه خشية ضياعه واندثاره، بسبب ما تعرضت له فلسطين من نكبات وكوارث باعدت بين أبناء القرية الواحدة، أضف الى ذلك التخوف من انقراض جيل الأجداد والأباء الذين يحفظون ذلك التراث و يروونه.
إذا علمنا أنَّ الاحتلال يسعى الى محو الذاكرة الشعبية الفلسطينية، واختطاف تُراثها المميز، حين انتحل الكثير من هذا الإرث لنفسه زورا في محاولة لطمس الموهبة الشعبية الفلسطينية الخلاقة. فقد غدا أمرُ تدوين هذا التراث ركيزة من الركائز الوطنية التي يقوم عليها وجود هذا الشعب وهويته العربية والاسلامية، وأمانة في أعناق العرب جميعاً عليهم صونه من الاستلاب والتشويه.