باسكال | عبقري العلوم الشاملة الذي غيّر مسار التاريخ

باسكالPascal


الفرنسي بليز باسكال هو فيلسوف وعالم رياضيات وفيزيائي فرنسي. وُلد باسكال في عام 1623 في مدينة كليرمون فاراند في فرنسا، وعاش حياة قصيرة ولكنه ترك بصمة كبيرة في العلوم.

بدأ باسكال حياته المهنية في الرياضيات والفلسفة والفيزياء، وقد أسهم في تطوير العديد من المفاهيم المهمة في هذه المجالات. كما اشتهر باختراعه آلة حاسبة ميكانيكية تسمى "الآلة الحاسبة باسكال"، والتي كانت تستخدم في الحسابات الرياضية المعقدة.

كما كتب باسكال العديد من الأعمال الفلسفية والدينية المهمة، بما في ذلك كتاب "الفكر" (Pensées)، الذي يعد من أهم الأعمال في فلسفة الدين واللاهوت. ويُعد باسكال أيضًا من أبرز علماء الفيزياء في عصره، حيث قام بإجراء العديد من التجارب والدراسات في مجالات مثل الهواء والضغط والحرارة والصوت.

نشأة بليز باسكال

بليز باسكال وُلد في 19 يونيو 1623 في مدينة كليرمون فاراند في جنوب فرنسا. كان والده، إتيان باسكال، محاميًا ومن أسرة ثرية ومحترمة في المجتمع. وكانت والدته، أنتوانيت بييرس، ابنة أحد أهم الرجال في المنطقة.

عندما كان باسكال في السادسة من عمره، توفي والده، وتولت والدته تربيته وشقيقته جاكلين. وفي سن الحادية عشر، بدأ باسكال يدرس الرياضيات بشكل جدي، وأظهر موهبة كبيرة في هذا المجال.

عندما كان في السابعة عشرة من عمره، اخترع باسكال آلة حاسبة ميكانيكية تسمى "الآلة الحاسبة باسكال"، وهي تستخدم للقيام بالحسابات الرياضية المعقدة. وقد كانت هذه الاختراعات مهمة جدًا في تطوير حسابات الرياضيات والعلوم في القرن السابع عشر.

بعد وفاة والدته في عام 1639، انتقل باسكال مع شقيقته جاكلين إلى باريس، حيث التحق بمدرسة الرهبان اليسوعيين. وهناك التقى بعدد كبير من العلماء والفلاسفة الذين ساعدوه على تطوير مهاراته في الفلسفة والرياضيات والفيزياء. وترك هذا الفترة بصمة كبيرة في حياته وأثرت على أفكاره وأعماله المستقبلية.

فلسفة باسكال

فلسفة باسكال كانت متنوعة وشاملة للغاية، وقد تناولت العديد من الموضوعات المختلفة. ومن أهم أفكاره في الفلسفة هي:

  1. وجود الله: كان باسكال يؤمن بأن هناك وجودًا لله بشكل حتمي، وأنه لا يمكن للإنسان أن يثبت وجوده بالطرق العقلية أو الفلسفية، وإنما يمكن فهمه من خلال الإيمان والدين.
  2. الإنسانية الجريحة: كان باسكال يعتقد أن الإنسان يعاني من الكثير من الأوجاع والمشاكل في الحياة، وأنه يحتاج إلى البحث عن معنى الحياة والسعادة.
  3. الوهم: كان باسكال يرى أن الإنسان يعيش في عالم مليء بالوهم والشك، وأنه يجب عليه أن يبحث عن الحقيقة الحقيقية والواقعية.
  4. المسؤولية الفردية: كان باسكال يؤمن بأن الإنسان مسؤول عن أفعاله وقراراته، وأنه يجب عليه اتخاذ القرارات الصائبة والمسؤولة في الحياة.
  5. العلم: كان باسكال مهتماً جداً بالعلم، وكان يعتقد أنه يمكن من خلاله فهم العالم بشكل أفضل، وأنه يجب على الإنسان أن يعمل على تطوير العلوم وتقدمها.

إن فلسفة باسكال كانت تتميز بالعمق والتفكير العميق، وكان يسعى باسكال إلى فهم الحياة والإنسان بشكل أفضل. ومن أشهر أعماله الفلسفية "الفكر" (Pensées)، الذي يعد من أهم الأعمال في فلسفة الدين واللاهوت.

قياس الضغط وقانون باسكال

خلال العشرينيات من عمره أجري باسكال سلسلة من التجارب الخاصة بقياس الضغط بسبب اطلاعه على نظرية العالم الإيطالي الذي سبقه ايفانجيليستا تورتشيللي  والذي نبه إلى تناقص الضغط الجوي مع زيادة الارتفاع. وشرع باسكال بالتحقق من دقة النظرية باستخدام الباروميتر الزئبقي. 

أجرى القياسات الأولية في باريس ثُمَّ أعاد التجربة من خلال قياس الضغط على قمة بوي دي دوم ( ارتفاع 1200 مترا) في 1646، وأثبت صحة فرضية تورشيلي بما لا يقبل الشك.

كان باسكال من أوائل العلماء الذين درسوا الضغط وأثره على السوائل والغازات. وقد قام باسكال في عام 1648 بتجربة شهيرة تعرف باسم "تجربة باسكال"، والتي استخدم فيها علبة زجاجية مملوءة بالزئبق وأنبوبًا طويلًا ورفيعًا مفرغًا من الهواء.

وبدأ باسكال تجربته بملء الأنبوب الطويل بالزئبق، ثم قلبه بحيث يكون الأنبوب الطويل في وضع عمودي. وبهذا الشكل، يسمح الزئبق بموازنة الضغط الجوي الخارجي، ويمكن للضغط الداخلي للأنبوب أن يُحدَد بدقة باستخدام علبة الزجاج المملوءة بالزئبق.

ومن خلال تجاربه، اكتشف باسكال أن الضغط الجوي يتغير بشكل ملحوظ بين قمم الجبال والأماكن المنخفضة، وبين مستويات البحر والأماكن العالية. وهذا أدى إلى تطوير العديد من الأساليب والأدوات التي تستخدم لقياس الضغط الجوي والضغط في أنظمة الأنابيب والمعدات الصناعية.

ان دراسته التجريبية في هذا المجال أدى إلى التوصل إلى قانون باسكال للضغط الجوي. وينص القانون على ان قوة الضغط تتوزع بالتساوي على انحاء السائل المغلق. 

وجاءت النظرية بمنظومة الهيدروليك التي ترجمت إلى اختراعات عملية ومفيدة، ومنها مبدأ عمل كابح السيارات وأيضاً الرافعة التي بتسليط قوة صغيرة تتمكن من رفع قوة أكبر بكثير. ومن الممكن التوصل إلى توازن القوى هذه من خلال العزم الدائري لذراع اطول واستكمالاً لابتكاراته قدم باسكال (السرنجة) والمكبس الهيدروليكي.

الطفل النابغة

بالرغم من أهمية كل ما ذكر أعلاه إلا أن باسكال عُرف أكثر في مجال الرياضيات والتي كانت سبب اكتشاف نبوغه مبكراً. 

كان باسكال قد توصل إلى عدد من نظريات إقليدس بشكل مستقل تماماً عند الحادية عشرة من عمره. بعدها وقع بيده كتاب (العناصر) الذي استوعبه بشكل كامل وتمكن من ادواته المعرفية عند الثانية عشرة فقط . 

كان يصدر دراسات رياضية بعمر السادسة عشرة فقط، الذي رفض ديكارت، معاصره، ان يصدق انها لهذا الصبي الموهوب. 

في 1642، وكان عندها في التاسعة عشرة فقط، شرع بالعمل على إنتاج الة حاسبة تتمكن من إجراء عمليات الجمع والطرح، وقد أكمل أول الة تتمكن من إجراء هذه العمليات الحسابية لأول مرة في 1644.

نظرية الاحتمالية

في أواخر حياته القصيرة في 1654، شارك باسكال في إنتاج نظرية رياضية ترددها الأجيال القادمة في الدوائر العلمية. بنيت النظرية بناءً على طلب من مقامر نهم لحساب فرص نجاحه في مقامرته المستمرة. 

واستطاع باسكال مع الرياضي الفرنسي الآخر بيير دي فيرمات من تطوير نظرية الاحتمالية وباستخدام مثلث باسكال الشهير كوسيلة لتحقيقها. بالرغم من انها قلبت موازين عالم المقامرة إلا أن أهميتها في المجالات الحياتية الأخرى كانت جلية وواضحة.

تُعتبر نظرية الإحتمالية أحد أهم المساهمات في مجال الرياضيات والإحصاء. وتقوم هذه النظرية على فكرة حساب الاحتمالات وتوقع النتائج في الأحداث المستقبلية.

وتعتمد نظرية الاحتمالية على مفهوم النتائج المحتملة للحدث، والتي يمكن أن تكون إيجابية أو سلبية. ويتم حساب الاحتمالية بتقسيم عدد النتائج المحتملة للحدث على إجمالي عدد النتائج الممكنة.

وقد قام باسكال بتطوير نظرية الاحتمالية في القرن السابع عشر، واستخدمها في حل مشاكل القمار والتنقيب عن المعادن، وكذلك في التأملات الفلسفية. وقد ساهمت هذه النظرية في تطوير الإحصاء وعلوم البيانات بشكل كبير، وتستخدم في العديد من المجالات مثل الاقتصاد والتمويل والطب والعلوم الاجتماعية وغيرها.

برهان و رهان باسكال

يُعد الرهان الشهير الذي وضعه باسكال على وجود الله، والذي يعرف باسم "رهان باسكال"، أحد التطبيقات الشهيرة لنظرية الاحتمالية، حيث يقوم بحساب الاحتمالات والنتائج فيما يتعلق بوجود الله.

لم يفصل باسكال العلوم عن الفلسفة، وفي كتابه pensees يطبق نظرية الاحتمالية على الجدلية الازلية الخاصة بوجود الله فبغياب الدليل القاطع والملموس الذي يختفي عنده الاعتقاد بوجود الله من عدمه، وفق قول باسكال فان المرء الرشيد سيقبل بوجوده، فأن صح فاز بما وعد وان لم يصح فلم يخسر شيئاً. رهان يدعو للاهتمام وان كان لا يخلو من السخرية.

الخاتمة

توفي بليز باسكال في الثاني عشر من أغسطس عام 1662 عن عمر ناهز 39 عامًا، نتيجة مضاعفات من مرض السل. وكان باسكال قد عانى من مشاكل صحية خلال حياته، حيث كان يعاني من مشاكل في الجهاز التنفسي والهضمي، وكان يعاني أيضًا من الصداع والإجهاد الناتج عن العمل الشاق والتفكير العميق.

نبض أقلام
بواسطة : نبض أقلام
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-