الجبال: خلقها الله سبحانه وتعالى من أجل أن تكون الأرض صالحة للحياة. وهذه حقيقة قد تُثير الدهشة إذ كيف تكون الجبال وهي عوائق رهيبة ظلت أباداً طويلة بعيداً عن سيطرة الإنسان, كيف تكون معيناً على الحياة بل تكون سبباً في استقرار الأرض وتحقيق الأمان؟
هذه هي الحقيقة التي كشف عنها العلم وأكدها العلماء.
تكوُّن الجبال
لقد تعرضت الأرض لسلسلة من التقلبات والتفاعلات البركانية والحركات الأرضية ترتب عليها أن صارت على النحو المُشاهد. لقد هبطت أجزاء منها صارت محيطات, وبرزت أجزاء أخرى صارت القارات, وارتفعت أجزاء فوق القارات لتكون هي سلاسل الجبال, كما ارتفعت أجزاء من البحار والمحيطات لتكوِّن سلاسل جبال أيضاً موجودة جذورها في الماء.
لقد تكونت معظم الجبال بسبب انطلاق المواد المنصهرة في جوف الأرض . الضغط الشديد في الأعماق، هذه المواد المنصهرة وما يصاحبها من غازات انبثقت على سطح الأرض على هيئة براكين تحمل الحمم المنصهرة التي إذا ما بردت كونت الصخور النارية أما أثناء سقوطها فإنها تُذيب الطبقات السطحية التي تسقط فوقها لتصبح ما يطلق عليها الصخور المتحولة.
وإذا ما انحدرت الحمم المنطلقة من فوهات البراكين بقوةْ دفع هائلة إلى مسافات بعيدة قبل أن تتصلب لتصبح الأحجار الرسوبية, وهي التي تتراكم من مواد مفتتة من الصخور أو رواسب عضوية ترسبت على طبقات سطح الأرض أو في البحيرات أو في قاع المحيطات.
وفي النهاية يصبح هذا جميعه سلاسل جبال منتشرة فوق أنحاء الأرض مثل جبال الأنديز بأمريكا الجنوبية أو جبال الألب في أوروبا أو الهملايا في آسيا...الخ.
الجبال المنتشرة في سائر أنحاء الأرض يوجد بعضها على اليابس ويوجد البعض الآخر مغموراً في البحار والمحيطات. وهذه الجبال التي تظهر سواء فوق الأرض أو في قاع البحار والمحيطات هي جزء من امتدادها في الأعماق تحت السطح في اليابس وفي القاع في المحيطات. ولا يزيد هذا الجزء الظاهر عن ربع أو خمس المغمور منها.
أهمية الجبال في تيسير الحياة فوق الأرض
هذه الجبال التي تمتد في الأعماق ولا نراها سواء في اليابس أو في البحار هي الركائز الصلبة التي تعمل على ثبات الكرة الأرضية وتوازنها عند دورانها مصداقاً لقول الله عز وجل : ( وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ﴾ [سورة النبأ ٧].
فرسالة الجبال أن تحقق للأرض التوازن والثبات، ولكنها تحقق أهدافاً أخرى من أجل تيسير الحياة وجعل الأرض صالحة للحياة:
- إن الجبال تعمل على صد الرياح العنيفة وكسر حدة الأعاصير العاتية، إذ من العواصف: الأعاصير ما يدمر كل شيء لكن هذه الحبال تحقق الأمان, فيأمن الإنسان والحيوان من أن يهلَك والأشجار من أن تُقتلع.
- وبسبب اختلاف ارتفاعات الجبال يحدث تخلخل في تيارات الرياح التي تمر على سطحها ، وهذا له أثره في التخفيف من درجات الحرارة العالية.
- والجبال وسيلة من وسائل تدبير الماء وحفظه لسكان مناطق واسعة من الأرض ، إذ أنه ترقد طبقات كثيفة بيضاء من الجليد المتجمد طوال فصل الشتاء ، وحين يجيء الصيف فهي تذوب وتنحدر إلى الوديان والأنهار, مياهها حلوة تمد السكان بحاجاتهم من الماء.
- وفي المناطق القطبية سواء في الشمال أو في الجنوب تتواجد كميات هائلة من الثلوج: جزء منها يبدو طافياً على سطح الماء، والأغلب منها مغمور تحت السطح. هذه الجبال الثلجية تتحرك ببطء وكأنها جزر عائمة وسط المحيط, وهي إذ تتحرك فهي تحمل ماءً عذباً يذوب مع الأيام في عرض البحار وهذا يقلل من ملوحة مياهها مما يكون له أثره الطيب في الكائنات البحرية التي تعيش بها.
- وارتفاع الجبال من فوق الأرض يحقق هدفاً في منتهى الحيوية والخطورة من أجل سلامة الأرض. إذ أنها ترفع كميات هائلة من المياه بعيداً عن اليابسة. إذ لو كانت الجبال في مستوى سطح الأرض لارتفع منسوب المياه وغرقت الأرض ، ولأصبحت كرة ماء، وذلك، لأن الماء أضعاف اليابسة، وبذلك تستحيل الحياة.
- والجبال له دورها الهام في مد اليابسة بالماء. إذ أنها تمنع الرياح أن تسوق البخار بعيداً, وبذلك ينحصر بينها فيبرد ويسقط المطر ، وليس في الدنيا مياه عذبة سواه، إذ أنه هو الذي يُغذي الأنهار والعيون فلولاه لما كانت هناك حياة نباتية أو حيوانية أو بشرية.
- وهناك جانب آخر تبدو فيه أهمية الجبال البالغة في تيسير حياة الإنسان فوق الأرض، فإذا كانت الجبال في الظاهر لا تُسهِّل للإنسان مهمته في استزراع الأرض والحصول على غذائه وحاجاته، فإن النظرة المتأنية تؤكد خلاف ذلك. إن الجبال بها أماكن صالحة للزراعة ، إذ أنه توجد نباتات ومحاصيل مثل البن لا تجود زراعتها إلا في مصاطب الجبال: وذلك لأن تربة الجبال في كثير من أماكنها صالحة للاستزراع بسبب العناصر الغذائية المترسبة من فتات صخور وأحجار الجبال، ولها القدرة على إتاحة فرص النمو للنباتات.
- ويوجد في الجبال كهوف صخرية صالحة لأن تتجمع فيها المياه القادمة من السيول فلا تتسرب وتستمر بها لشهور طويلة صالحة للبشر وللحيوان فضلاً عن استغلالها في عمليات الاستزراع ، وهكذا توفر الجبال ظروف الحياة في العديد من أماكنها مما يجعل الكثير منها آهل بالسكان. وتقوم الجبال بخدمة أخرى للحياة فتجعل الأرض بيئة صالحة ومناسبة للحياة.
- إن الأمطار التي تهطل فوق الجبال وكذلك السيول تؤدي إلى تفتيت أجزاء من صخورها ، ثم يجرفها تيار السيول المتدفقة إلى ساحات الوديان والتي تنحدر في اتجاه شواطئ البحار والمحيطات والبحيرات والأنهار ، أي إن ما يفقده الجبال من صخور يذهب إلى قاع البحار ليستقر بها، وذلك كي يستمر التوازن على سطح الأرض. وهناك الكثير الذي تقدمه الجبال للأرض كي تستقر أمورها وتصبح أكثر مناسبة للحياة.
- إن الأنهار العظيمة على مر التاريخ حملت الكثير من فتات صخور الجبال التي : تسقط عليها الأمطار الهائلة فتؤدي إلى تفتتها ثم تنحدر من القمم من تيار المياه الذي يشكل الأنهار ، وتحمل الأنهار هذه الصخور المتفتتة بكمياتها الهائلة وتتجه بها نحو المصبات، وهناك تترسب مع توالي العصور فتشكل دلتا الأنهار. وخير مثال يوضح هذه الظاهرة ما حدث في مصر، إن دلتا نهر النيل نشأت بسبب ما حمله النهر من كميات هائلة من الطمي أو الغرين وهو الصخور المتفتتة بسبب سقوط الأمطار العظيمة فوق جبال أثيوبيا على مر التاريخ فكانت المياه تحمل هذا الطمي وتسير به تلك المسافات الهائلة مستغرقة في رحلتها السنوية نحو ربع العام (ثلاثة شهور) وتتجه به نحو الشمال ليترسب قبل أن تتجه المياه لتصب في البحر الأبيض المتوسط ومع توالي الحقب والعصور يتزايد الترسب كل عام مما أدى إلى ظهور دلتا النيل العظيمة في شمال مصر والتي تشكل بها أخصب البقاع الزراعية فضلاً عما كان يحمله الطمي أيضاً من خصب ونماء لكافة الأراضي الزراعية أثناء ريها بالماء. وكان هذا واضحاً تماماً قبل بناء السد العالي والذي يقوم الآن باحتجاز هذه الكميات الكبيرة من الطمي في بحيرة السد العالي التي تمتد لمساحة كبيرة في أراضي مصر والسودان. وما حدث من تكوين دلتا نهر النيل من الطمي المحمول من جبال أثيوبيا حدث مثله في العديد من أنهار العالم حيث نشأت لكل نهر دلتا خاصة به من ذلك الطمي الذي حملته مياه النهر بسبب تفتت قمم الجبال بفعل المياه المتساقطة والتي تكون هذه الأنهار.
- ويوجد في الجبال الكثير من المواد المعدنية التي يحتاجها الإنسان كالحديد والنحاس والذهب والفضة والمنجنيز والجرافيت والكبريت والبيرت والكالسيت وكربونات المغنسيوم والألمنيت والفسبار والميكا والاسبستوس والأوليفن وغيرها.
- وتُقدم الجبال أيضاً - من أجل تيسير الحياة - الحجر الرملي ، والأحجار الصلبة بسبب احتوائها على أكاسيد الحديد والأحجار الجيرية مثل الدولوميت والمكون من كربونات الكالسيوم وكربونات المغنسيوم كما توجد طبقات رسوبية كبيرة جداً من الجبس والفوسفات والفحم الحجري. أيضاً العديد من ا المعادن النفيسة وأحجار الزينة مثل الذهب والفضة ومثل الفيروز والعقيق والزبرجد والزمرد والياقوت وغيرها الكثير.
- إن الذي يشاهد الجبال ويتسرع في الحكم عليها وعلى أهميتها قد لا يدرك ما لها من عظيم الشأن في تذليل الحياة وتسهيلها فوق الأرض. وإن أدرك أهميتها في حفظ توازن الأرض أثناء دورانها السريع الرهيب يدرك أنه ما كان يمكن أن يتم ذلك لولا وجودها.
لذلك لا نتعجب إذا عرفنا أن أكثر من ربع مساحة الكرة الأرضية تعلوه جبال، وأن الخالق العظيم خلق هذه الجبال وجعلها متفاوتة في ارتفاعاتها، فجبال اهملايا تعلوها (قمة إفرست) وهي أعلى الجبال على سطح الأرض ويبلغ ارتفاعها ۸۸٤٠ متراً فوق سطح البحر ، وقمة سلسلة جبال الإنديز في أمريكا الجنوبية يبلغ ارتفاعها ۷۲۰۰ متر فوق سطح الأرض ، وسلاسل جبال الألب في أوروبا يصل ارتفاعها ٥٦٠٠ متر وسلاسل جبال أطلس في شمال إفريقيا يختلف ارتفاعها إذ هي أقل من ذلك.
وهناك جبال لا يزيد ارتفاعها عن نصف ميل، وذلك بخلاف أصولها الضاربة في الأرض، وهذا جميعه من أجل أن تكون أوتاداً للأرض ، فضلاً عما تقدمه من عطاء عديد للإنسان كي تكون الأرض هي الكوكب الصالح لحياة الإنسان.