عبد الوهاب عزام | من كتاب الخاطرة في الأدب العربي الحديث

 

عبد الوهاب عزام : من كتاب الخاطرة في الأدب العربي الحديث Abd AL Wahab Azzam

ولد عبد الرحمن عزام في أول أغسطس ( آب ) عام 1894 في قرية الشوبك الغربي بمصر ، لأسرة عريقة في السياسة و مقاومة المحتل الإنجليزي .

والده الشيخ محمد حسن بك عزام عضو مجلس شورى القوانين , أُنتخب في أول مجلس نيابي بعد دستور 1923. 

سيرة عبدالوهاب عزام المهنية

لم تلبث أسرته أن انتقلت إلى القاهرة ، حيث عاش عبد الوهاب عزام , أرسله والده إلى الكتاب حيث حفظ القرآن الكريم ، و تهيأ للأزهر الذي ألحقه أبوه به فأقبل على العلوم الدينية و اللغوية ، ثم التحق بمدرسة القضاء الشرعي و تخرّج فيها عام 1920 ، و بسبب تفوقه عُين مدرساً بها .

درس الآداب و الفلسفة في الجامعة المصرية ، و حصل على درجة الليسانس فيها سنة 1923، ثم التحق بمدرسة اللغات الشرقية بجامعة لندن إبان عمله في السفارة المصرية في لندن ، و حصل على درجة الماجستير في الأدب الفارسي عام 1927، كان موضوعها ( التصوف في رأي فريد الدين العطار ) .

عُين بعد عودته إلى مصر مدرساً في كلية الآداب بجامعة القاهرة ، ثم سجل رسالته عن شاهنامة الفردوسي في الأدب الفارسي ، و حصل عليها عام 1932، ليترقى أستاذاً مساعداً للغات الشرقية بكلية الآداب ، فأستاذاً عام 1939، ثم عميداً لكلية الآداب ، و رئيساً لقسم اللغات الشرقية بها سنة 1946 .

أُختير عضواً في عدة مجامع علمية منها مجمع اللغة العربية بالقاهرة ، و المجمع العلمي العربي بدمشق .

انتقل إلى السلك الدبلوماسي ، فعُين سفيراً لمصر في المملكة العربية السعودية سنة 1947، ثم في باكستان عام 1950، ثم سفيراً مرة أخرى في السعودية و اليمن حتى تقاعده عام 1956. و بعد تقاعده رشحته السعودية لتنفيذ مشروع تأسيس جامعة الملك سعود ، و أصبح أول مدير لها حتى وافته المنية في الثامن عشر من يناير ( كانون الثاني عام 1959 ) .

عزام المؤلف و المترجم

عُرف عبد الوهاب عزام بكتاباته في الأدب العربي ، و في الأدب الفارسي ، فضلاً عن جهوده في الترجمة ، فقد كان يجيد :

  • العربية 
  • التركية 
  • الفارسية 
  • الأردية 
  • الإنجليزية 
  • الفرنسية

و قد أثرى هذه اللغات بالتأليف فيها و الترجمة عنها . و من مؤلفاته : 

  • ذكرى أبي الطيب بعد ألف عام 
  • المعتمد بن عباد 
  • التصوف و فريد الدين العطار
  • مدخل الشاهنامة العربية للبنداري
  • أوزان الشعر الفارسي و الأدب الفارسي : بالاشتراك مع الدكتور يحيى الخشاب 
  • نظم و هو في باكستان رباعيات شعرية عُرفت بـ ( مثاني عزام ) و هي ثلاثمائة رباعية آثر أن يسميها ( المثاني ) تمييزاً لها عن رباعيات الخيام .
  • و من جهوده في النشر كتاب ( الورقة في تاريخ الشعراء ) لمحمد بن داود بن الجراح الوزير العباسي المعروف . 
  • كما ترجم فصولاً من المثنوي عن الفارسية .

نموذج من خواطر عبد الوهاب عزّام و التحليل

أخرجنا على خير

سَمِعت امرأة تذكر آفات الحياة و تنازع الناس و تقاتلهم ، و ما ينذر الناس من الحرب و الدمار ، و ختمت كلامها قائلة : ربنا يخرجنا منها على خير .

قلت لماذا لا تدعين أن يُبقينا على خير ؟ إن الدعاء بصلاح الناس و طيب العيش في هذه الدنيا خير من الدعاء بخروجنا منها . إننا هنا للجد و الكدح و الإصلاح و التعمير، و نصرة الخير جَهْدَ الطاقة ، و دفع الشر الناس لا لننتظر الخروج . و في هذا الجهاد سعادة على ما فيه من نصب . الحياة لولا الجهاد لا لذة فيها انتظار لا متعة فيه و ركود ممل ، و خمود أشبه بالموت . لولا الأمل و العمل ما رغب الناس في الحياة ،  ولا طاب لهم العيش فهذا الجهاد عبادة و أي عبادة ، و إن فيه لخيري الآخرة و الأولى . فلنأمل و لنعمل و نبتسم لعبوس الدنيا ، و نرضَ بسخطها ،  وننشط للكفاح .

إن آفات الطبيعة كثيرة ، و قد زادها الإنسان لشقائه . و رحم الله أبا الطيب ,إذ يقول : 

كلما أنبت الزمانُ قناةً 

ركَّب المرء في القناة سِنانا 

و مرادُ النفوس أصغر من أن 

نتعـادى فـيـــــــه وأن نتفـــــــاني

و لو تعاون الناس على دفع الآفات و اقتحام العقبات لذللوا كثيراً من صعاب الحياة ، و ذللوا كثيراً من عُسرها ، و لكنهم يزيدون عليها حتى ليشفق الناس اليوم من أفعال البشر أكثر مما يشفقون من الآفات الطبيعية ، و حتى يتمنى بعض الناس أن يخرج من الدنيا على خير ، يرى الموت أهون عليه من هذه الحياة،  و الفناء أسلم من هذا البقاء ، لا لا ، فلنرقب الخير و لنعمل له و لنكدح في الحياة طالبين خيره ، دافعين شرّها غير يائسين من روح الله . فعسى أن يهتدي الناس إلى الحق و الخير و يتعاونوا على الصلاح و البر ، و يعمروا الأرض ليسعدوا بعمرانها .

هذه الخاطرة الاجتماعية تتسم بطابع شخصي إنساني ، ارتبطت بحساسية الكاتب و مدى تأثره بشأن من شؤون الحياة و الناس فهو ينطلق من حادثة جزئية و يستخرج منها دلالتها ، و يبين ما في هذه الدلالة من زيف بأسلوب سهل ،مرن يعتمد على الفطرة . 

و هو لا يتجاهل وجود المصائب في الحياة ، و لا وجود الشر في الإنسان ، و من ثم لم يتجاهل واقعاً مشاهداً تمثل في تلك المرأة التي تتأفف من الحياة ، و تدعو الله أن يخرجها من الدنيا على خير .

و لكنه يخالفها في هذه النظرة المتشائمة للحياة ، إنه ينظر إلى الحياة نظرة أعمق : ( الحياة لولا الجهاد ، لا لذة فيها ، انتظار لا متعة فيه و ركود أشبه بالموت ، لولا الأمل و العمل ما رغب الناس في الحياة ، و لا طاب لهم العيش .

و الكاتب هنا متأثر بموقف هذه المرأة، و يتألم لحالها ، إلا أن نظرته إلى الحياة تختلف ، نظرة تستند إلى معتقد ديني سليم هو تلك النظرة الإسلامية التي تنظر إلى الحياة نظرة عملية ، بوصفها تقوم على الكد .

و هو يحث الناس على دفع آفات الحياة و تذليل صعابها ، بدلاً من الاستسلام لها . و هكذا نجح في إيصال فكرته إلينا ، القائمة على الحياة و العمل على نصرة الجانب المشرق فيها ، و ترتب على ذلك إقناعنا بفكرته و التأثير فينا . 


نبض أقلام
بواسطة : نبض أقلام
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-