كلوديوس جالينوس ملاك الطب

كلوديوس جالينوس ملاك الطب Claudius Galen


في ذات يوم منذ حوالى ١٨٠٠ عام ، زار أحد فلاسفة الفرس طبيباً رومانياً شهيراً ، وعرض عليه الإصبعين الصغيرتين من إحدى يديه كانتا قد فقدتا حاسة اللمس و بينما كان الطبيب يفحصه ، أوضح له الفيلسوف أنه جرب مختلف أنواع العلاج المعتادة التي وصفها له الأطباء الآخرون ، والتي كانت تعتمد على اللبخات والمراهم والتعاويذ  . 

فابتسم الطبيب وهو يصغي إليه ، وبعد أن تم فحصه سأله : هل سبق لك أن أُصبت في ظهرك ؟ .

فأجاب الفيلسوف :  أجل . حدث منذ مدة قريبة أن سقطت من فوق عربة وارتطمت رقبتي بحجر حاد . ولكن ما علاقة ذلك بأصابعي ؟ . 

فأجاب الطبيب :  هناك علاقة . فإن تلك الإصابة  قد أحدثت التهاباً في نخاع عمودك الفقري عند الفقرة السابعة من فقرات الرقبة . وهذا الموضع هو الذي يمر به العصب الذي يصل إلى طرف الإصبعين الصغيرتين من يدك . . 

حدثت وقائع هذه القصة في عام 171 ميلادية ، وكان الطبيب الذي أفتى بهذا التشخيص هو كلوديوس جالينوس  ، وكان تشخيصه الدقيق هو نفس التشخيص الذي يمكن لطبيب مؤهل أن يصفه اليوم .

من هو كلوديوس جالينوس؟؟

يُعتبر كلوديوس جالينوس طبيباً رومانياً ، ولكن الواقع أنه ولد في پرجاموم الواقعة على الشاطئ التركي للبحر المتوسط في عام 129م . كانت پرجاموم تلك قد ظلت لفترة طويلة مملكة يونانية ذات ثقافة وحضارة يونانية ، ولكن حدث في عام 133 ميلادية أن ضُمت تلك المملكة إلى الإمبراطورية الرومانية . 

ولذا فإننا نستطيع القول بأن جالينوس كان من أصل يوناني روماني ، وقد درس الفلسفة والتشريح فی كل من برجاموم و أزمير ، وعندما تمكن من فهم هذين العلمين ، انتقل إلى دراسة الطب في الإسكندرية حيث كانت توجد مدرسة شهيرة للتشريح والجراحة . 

وعند عودته إلى برجاموم ، وقد بلغ الثامنة والعشرين من عمره ، كان قد أصبح طبيباً مشهوراً ، وأصبحت خدماته موضع الطلب . وقد عينه المصارعون جراحاً لهم ، ولكن ذلك لم يكن ليكفي جالينوس الشاب ، فقد كانت برجاموم مدينة ريفية ، ولذا فقد اتجهت أفكاره نحو روما عاصمة الأمبراطورية وأهم مدن العالم .

وبعد ثلاث سنوات رحل فعلاً إلى روما ، ولكنه لم يمكث بها سوى عام واحد . غير أنه عاد إليها في عام 169 وظل بها حتى وفاته . 

مهنة الطب في عهد جالينوس

في ذلك العهد ، كانت مزاولة الطب لا تخضع لرقابة مما أدى بكثير من الدجالين إلى أن يحصلوا على الشهرة والثروة من وراء ما كانوا يقومون به من ( علاج لا يخيب ) . 

وسرعان ما أدرك جالينوس هذا الوضع ، فأشار إليه بانتقاد شديد في أحد كتبه العديدة ، وكان مما قاله : 

( لقد وصلت الدرجة إلى أن الإسكافية و الصباغين و النجارين و الحدادين ، أخذوا يهملون حرفهم ويزاولون مهنة الطب ، إن الأشخاص الذين يخلطون الألوان للفنانين من المصورين ، و العقاقير لتجار العطور ، يَدَعون لأنفسهم ألقاب العلماء ) .

براعة جالينوس و اكتشافاته

ذاع صيت جالينوس في روما . كان يُلقي المحاضرات في أحد المسارح العامة ، ويحظى بصداقة أبرز رجال العصر ، بل إنه اكتسب ثقة الإمبراطور ماركوس اوريليوس نفسه ، وكان قد شفاه من مرض سبق أن أخطأ الأطباء الآخرون في تشخيصه. 

كانت القوانين في ذلك الوقت تحظر إجراء تشريح الجثة بعد الوفاة ، وكانت الأبحاث الطبية تقتصر على تشريح جثث الحيوانات ، هذا وفي خلال علاجه لجروح المصارعين ، أمكنه أن يطور معلوماته في علم التشريح البشري وعلم وظائف الأعضاء ، وأن يجمع الكثير من المعلومات القيمة . 

وكان من بين ما درسه إصابات المخ ، وكان أول من تمكن من اكتشاف أعصاب الحركة وأعصاب الحس ، كما اكتشف الدورة الدموية في الجسم ، ودلل على أن الدم يوجد على الدوام داخل الشرايين . غير أن كل ذلك لم يخلُ من بعض الأخطاء ، ومن ذلك اعتقاده بأن هناك اتصالاً بين البطينين الأيسر والأيمن للقلب ..

ومهما يكن من أمر ، فإن الأعمال التي قام بها من عام 169 إلى عام 180 وهو العام الذي توفي فيه ماركوس أوريليوس ، كانت من الأعمال التأسيسية في تاريخ الطب . وقد كرمه معاصروه بإضافة لقب ملاك إلى اسمه اللاتيني ( جالينوس Galenus ) وكانوا يقصدون بذلك أنه ملاك الطب

وقد قام جالينوس في السنوات الأخيرة من حياته بتلخيص تعاليمه الطبية في أهم مؤلفاته وهو ( فن الطب The Art of Medicine )

طب جالينوس

كان جالينوس يقتفى أثر الفيلسوف اليوناني أبقراط ولذا فقد كان يعتقد أن الجسم البشري يحتوي على أربعة أمزجة وهي : 

  1. الدم
  2. البلغم
  3. الصفراء
  4. السوداء 

فإذا وجدت هذه الأمزجة جميعها بالنسب الملائمة ، كانت النتيجة توازن طباع الشخص وأخلاقه . أما إذا زاد أحد هذه الأمزجة عن المعدل ، فإن طباع الشخص تختلف ويصبح إما دموياً ، أو مائياً ، أو نارياً ، أو منطوياً.

وبعكس أبقراط ، نجد أن جالينوس لم يكن يعزو المرض إلى اضطراب الأمزجة ، ولكنه كان يعزوه إلى الإصابات أو القصور العضوي ، وهي نظرية ثبتت صحتها ولها أهمية عظمى . 

ومن جهة أخرى فقد نقض التفسيرات الفلسفية واللامادية للمرض ، وكانت طريقته في التشخيص مبنية على أساس علمي . 

كان جالينوس في حقيقة الأمر حديثاً في وسائله ، يؤسس أبحاثه على الحقائق . وكان كتابه ( فن الطب ) هو المرجع الأساسي للطلبة حتى أواخر القرن السادس عشر ، ويُعتبر جالینوس هو وأبقراط أعظم الأطباء التقليديين في العصر القديم . وقد توفى جالينوس في عام 201م .

نبض أقلام
بواسطة : نبض أقلام
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-