الحرب الأهلية الأمريكية

الحرب الأهلية الأمريكية American Civil War


كان الصراع بين الشمال والجنوب يزداد اتساعاً منذ حين ، ففي الجنوب كان مُلاك الأرض الأثرياء ذوو الأصول العريقة يعتمدون على كدح المستعبدين السود . 

ولكن المجتمعات الشمالية الأوفر حظاً من التصنيع كانت تناهض الرق والاستعباد . وفضلاً عن هذا ، فإن الجنوب كان يُدين سياسة الشمال الاقتصادية ، وكان رجال الأعمال في الشمال يرغبون في وضع القيود على استيراد المصنوعات الأجنبية ، وذلك لحماية صناعاتهم الخاصة . 

وبالإضافة إلى ذلك ، فقد كانت هناك الكراهية المتبادلة من جانب الجنوبيين المترفعين المرفهين ، لمواطنيهم الجفاة من أهل الشمال الملقبين باليانكي .

وفي شهر نوفمبر عام 1860 أُنتخب أبراهام لنكولن رئيساً للولايات المتحدة . وكانوا يطلقون عليه وصف ( الجمهوري الأسود ) بسبب معارضته للرق , ورغم أنه قال إنه لن يعمل على إلغاء الرق في الولايات التي بها رق ، فقد صمم على عدم السماح بامتداده إلى الولايات الجديدة في الغرب .

ولم يكن في نية الولايات الجنوبية الآخذة بالرق أن تتقبل حكم لنكولن لها ، وقد أعلنت ولاية کارولينا الجنوبية في شهر ديسمبر عام 1860 أنها انسحبت من الولايات المتحدة الأمريكية ، وأنها لم تعد عضواً في اتحاد الولايات . 

وفي الوقت الذي تم فيه تنصيب لنكولن رئيساً في مارس عام 1861 ، فإن ست ولايات أخرى من الولايات الآخذة بالرق وهى فلوريدا ، و چورجیا  . وألاباما ، ومسيسيبي ، ولويزيانا ، وتكساس  ما لبثت أن حذت حذو ولاية كارولينا الجنوبية. وقد كونت هذه الولايات اتحاداً خاصاً بها ، أسمته الولايات الكونفدرالية الأمريكية . و انتخبت جندياً بارزاً هو چيفرسون رئيساً لها . 

كان لنكولن مقتنعاً بأن الولايات الجنوبية لا حق لها في الخروج من اتحاد الولايات الأمريكية ، لكن هل كان بإمكانه استخدام القوة ؟ 

إن هذا السؤال ما لبث أن وجد جوابه الفاصل عنده ، حينما قام جنود الولايات الانفصالية بإرغام الجنود الاتحاديين على تسليم حصن فورت سومتر في ضواحي مدينة تشارلستون ، فقد اعتبر لنكولن هذا العمل بمثابة عصيان مسلح أو ثورة ، وقام بحشد 75,000 جندي . 

وبهذا استعد الشمال لاستعادة الاتحاد بالقوة . وما لبثت ولايات أخرى في الجنوب هي فر جینیا ، و أركنساس ، و تنيسي ، وكارولينا الشمالية ، أن انضمت إلى الانفصاليين ، وهكذا تهيأ المسرح للعمل .

المزايا في صف الشمال

كان الجنوب من الوجهة النظرية أكثر ضعفاً من الشمال :-

  • إذ كان يفتقر إلى المقدرة الإنتاجية المتاحة للشمال . 
  • وكان يتألف من 11 ولاية في مواجهة ٢٣ ولاية . 
  • وكان سكان الجنوب أقل من نصف عدد سكان الشمال . 
  • ثم كان على الولايات الانفصالية بعد انسحابها من الاتحاد أن تعمل على إيجاد أجهزة جديدة للإدارة الحكومية . 
  • ثم إن الجنوب كان أبعد ما يكون عن التماسك و وحدة الكلمة . فقد كانت هناك كثرة من الناس في ولايات جورجيا ، و ألاباما ، و مسيسبي ، و لويزيانا يساندون الشمال ، في حين أن السكان في غربي ولاية فرجينيا شكلوا لأنفسهم ولاية منفصلة ما لبثت أن انضمت إلى الاتحاد في أثناء المراحل التالية للحرب . 
  • وكانت رفاهية الجنوب تعتمد على الصادرات ، ولكن الأسطول الأمريكي المؤيد للشمال عمد إلى فرض الحصار على الموانيء الجنوبية ، وبهذا حال دون تصدير محصولها الرئيسي وهو القطن. 
  • وقد قام الجنوبيون بمحاولة لإحراز السيادة البحرية ، إذ قاموا في عام ١٨٦٣ بتجهيز سفينة شراعية مستولى عليها بعشرة مدافع و تزويدها بالدروع . والواقع أن هذه السفينة المُسماة  ميريماك قد أحدثت دمارا ً و فوضى إلى أن تمكنت حكومة الاتحاد من إنزال سفينة أخرى مدرعة هي مونیتور لمواجهتها . وكانت الهزيمة نصيب السفينة ميريماك في المواجهة الأولى بين السفينتين . 
وكانت للجنوب مزايا فعلية قليلة ، فإن قوادهم كانوا أكثر تفوقاً ، و جنودهم أوفر خبرة باستخدام الأسلحة النارية .

غزو الجنوب

استطاعت الولايات الانفصالية حشد جيش قوامه ٤٠٠,٠٠٠ جندي، ولكن الخطة الاستراتيجية لهذا الجيش كانت دفاعية , وكانوا يعولون كل التعويل على تدخل كل من فرنسا و بريطانيا إلى صفهم, و مع ذلك فإن البلاد الأوروبية لزمت جانب الحياد, و هكذا وقف الجنوب وحيداً.

كان لنكولن تواجهه جبهتان للقيام بالهجوم فيهما ، فإن الولايات الجنوبية كانت بطبيعتها تقسمها جبال الأيلاش إلى قسمين : شرقى و غربى . ففي القسم الشرقي كانت ولاية فرجينيا التي تضم مدينة رتشموند عاصمة الانفصال البالغة الأهمية ، ومن ثم كان معظم القتال في الجبهة الشرقية يدور في هذا القسم .

ولكن إحراز النصر في القسم الغربي كان من شأنه أن يشطر الولايات الانفصالية تماماً إلى شطرين ، وهكذا كان أيضاً بالغ الأهمية بنفس القدر .

وكانت أولى الحملات الكبرى في الحرب كارثة على حكومة الاتحاد . فقد هبط جيش منها الى ولاية فرجينيا للقيام بالهجوم على مدينة رتشموند ، والتقى هذا الجيش بجيش الانفصاليين تحت قيادة الجنرال بوريجارد على مقربة من مجرى نهر بول ران ومُني بهزيمة ساحقة . وهنا أدرك لنكولن أن الاستيلاء على ولاية فرجينيا سيغدو عملية طويلة شاقة . 

على أن الأحداث في القسم الغربى كانت مُشجعة أكثر بالنسبة للاتحاد . فقد استطاع جنود الاتحاد قبل نهاية عام 1861 تعزيز موقفهم في ولاية ميسوري . وقاموا في مستهل العام التالي بالزحف تحت قيادة الجنرال جرانت على ولاية تنيسي ، وتمكنوا في 6 فبراير من إرغام الانفصاليين المدافعين عن حصن فورت هنري على الاستسلام ، ومنذ ذلك التاريخ بدأ تدمير المعاقل الانفصالية واحداً تلو الآخر . 

وما وافى عام 1863 حتى كان جنود الاتحاد في ولاية مسيسيبي العليا و ولاية ألاباما ، ولم يلبث الجنرال جرانت أن ترك ضباطاً آخرين من رجاله للتعامل مع الانفصاليين في ولاية تنيسي ، وركز هو قواته للهجوم على مدينة فيكسبرج  معقل الانفصاليين على نهر المسيسيبي . 

وفي الرابع عشر من شهر يوليو ، استطاع بعد حصار وتجويع قوات القائد الانفصالي أن يجبره على الاستسلام . ولم تمضِ إلا فترة قصيرة على ذلك حتى تم الاستيلاء على پورت هدسون في ولاية لويزيانا على يد أحد ضباط الجنرال جرانت . 

ولما كان قد سبق ذلك استيلاء الأسطول الأمريكي على ميناء نيو أورليانز ، فقد أصبح نهر المسيسيبي بأسره في أيدي قوات الحكومة الاتحادية . وهكذا تم شطر الجنوب إلى شطرين ، ولم تعد إليهما الوحدة قط بعد ذلك . 

وفي أثناء ذلك استغل لنكولن الانتصارات التي أحرزتها الحكومة الاتحادية لإعلان تصريحه الخطير في أول يناير عام 1863 ، بإلغاء الرق في الولايات المتحدة. وقد قُدر لهذا العمل أن يكون أبقى إنجاز عظيم يذكره به الناس .

وفي ذلك الوقت كانت حرب إنهاك غالية التكاليف تدور رحاها في الشرق مع جيش ولاية فرجينيا بقيادة الجنرال روبرت إ لي الجنوبي  ونائبه القدير الكولونيل جاكسون المعوق (وقد اكتسب هذه الكنية في معركة پول ران ) و هذا الخيش كان قوياً و مملوءاً ثقة وجرأة . و ظل حتى أوائل 1864 و هو لا يزال عقبة في طريق آمال حكومة الاتحاد .

 المراحـل الأخيرة

  في مايو عام 1864 تولى الجنرال جرانت ، بوصفه الآن قائداً عاماً لجميع جيوش الحكومة الاتحادية زمام الحملة في فرجينيا . وقد قام بهجوم عسکری عنيف موجه على مدينة رتشموند ، اندفع بعده يشق طريقه صوب الجنوب غير عابىء بخسائره الجسيمة . فاجتاز نهر جيمس وحاصر مدينة بيترسبرج قرب رتشموند . 

وفي هذه الأثناء بدأ الجنرال شيرمان حملته من تشاتانوجا إلى أتلانتا ، واخترق ولاية جورجیا فخربها ونشر الدمار في كل ما صادفه في طريقه . و في شهر ديسمبر سقطت مدينة سافاناه ، ثم استدار شيرمان صوب الشمال واندفع إلى ولاية فرجينيا . 

بدأ الآن فكا الكماشة يطبقان على ولاية فرجينيا ، وغدت الحرب في مرحلتها الأخيرة . ففي الثاني من أبريل عام 1865 سقطت مدينة بترسبرج في يد الجنرال جرانت . وفى اليوم التالي دخلت الجيوش الاتحادية مدينة رتشموند بعد أن جلا عنها على عجل الرئيس ديفيس  الجنوبي .

وكان جيش لي الجنوبي الذي لم يهزم بعد يسارع بالاتجاه غرباً ، يتابعه على مهل الجنرال جرانت ، وكذلك جيش آخر لحكومة الاتحاد بقيادة الجنرال شريدان عند جناحه . وفي التاسع من شهر أبريل استسلم الجنرال لي ، بعد أن تخلى عن خطة أعدها للانضمام إلى الجنرال چونستون في ولاية کارولينا الشمالية . 

ولم يمض أسبوعان حتى استسلم چونستون وفى الغرب قام الجنرال كيربي سميث بإلقاء أسلحته ، وهكذا انتهت الحرب . 

لقد كان ثمن الحرب الأهلية فادحاً . فقد قتل فيها حوالي 600,000 رجل ، وجُرح أو أُعطب فيها مئات الألوف وقدرت التكاليف الكلية للحرب بما يجاوز ۱۰٫۰۰۰ مليون دولار. 

و لكن كانت للحرب الأهلية الأمريكية نتائج بالغة الأهمية بالنسبة للمستقبل . فإن تحریر العبيد بات مكفولاً برغم اغتيال لنكولن في عام النصر ، وتوطدت دعائم الحكومة الاتحادية . بيد أن المشاعر والأحقاد التي ولدتها أربع سنوات كان الأمريكيون فيها يحاربون بعضهم بعضاً أثمرت خلافات في وجهات النظر قُدر لها أن تبقى طويلاً ، كما تركت جراحاً لعلها لم تلتئم تماماً حتى اليوم .



نبض أقلام
بواسطة : نبض أقلام
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-