طليحة الأسدي : البداية و النهاية

طليحة الأسدي البداية و النهاية


طليحة الأسدي من قبيلة بني أسد وهي قبيلة كبيرة كثيرة الرجال والبطون، تمتد منازلها ما بين نجد والفرات، اشتهرت بالحروب الكثيرة، لكنها كانت حروباً خاسرة في أكثر الأحيان، فترجع خائبة خاسرة. فلما جاء الإسلام عرفت هذه القبيلة طعم النصر لما برز منها من رجال عظماء فاتحين.

لقد وقفت هذه القبيلة موقفاً عدائياً من الإسلام والمسلمين، فبعد معركة أحد جهز طليحة جيشاً لينقض على المدينة. لكن الرسول صلى الله عليه وسلم بادره بسرية أبي سلمة التي مزقتهم وغنمت منهم كثيراً.
ولما جاءت الأحزاب يوم الخندق للمدينة، كان طليحة يقود بني أسد بثلاثة آلاف وخمسمائة مقاتل.

في السنة التاسعة للهجرة قدم وفد بني أسد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لإعلان إسلامهم من غير أن يرسل لهم رسول الله من يعظهم, ويرشدهم وكان طليحة مع ذلك الوفد .

ردة طليحة الأسدي

فلما رجعوا ارتد طليحة، ثم زعم أنه نبي يوحى إليه، وأن جبريل ينزل إليه بوحي من السماء. وأرسل أخاه "حبالاً" إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره أن طليحة قد صار نبياً مثله، وأنه يدعوه إلى الموادعة. وأن جبريل أنزل إليه قرآناً من السماء.

عرف النبي صلى الله عليه وسلم كذب طليحة ودعواه الباطلة، فأرسل إليه ضرار بن الأزور الأسدي ليؤدبه. كان طليحة فارساً شجاعاً يُضرب به المثل في الفروسية والقتال وخفة الحركة، فضربه ضرار ضربةً استطاع طليحة أن يصدها، وزعم طليحة أن السلاح لا يؤثر به، وأن تلك إحدى معجزاته.

في تلك الأيام والمناوشات على أشُدّها توفي الرسول صلى الله عليه وسلم فانفضَّ معظم جنود ضرار عنه والتحقوا بطليحة وجيشه. ولم يستطع ضرار أن يصمد أمامه فتراجع وتركه حفاظاً على أرواح من معه.

 طليحة الأسدي قائد المرتدين

كانت طلائع الردة تبدو ملامحها واضحة من خلال بعض الأفراد وعدم انصياعهم لأوامر الإسلام.

 كانت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فرصة ذهبية لهؤلاء الأفراد لإعلان التمرد والعصيان والردة، ثم الانقضاض على الإسلام والمسلمين في المدينة وإعادة الأمور على ما كانت عليه في الجاهلية من سلبٍ ونهبٍ للقوي، وشريعة غاب في المجتمع، وأوثانٍ وأصنام تُعبد من دون الله وتتناثر حول الكعبة.

قرر أبو بكر مطاردة المرتدين وقتالهم. وقبل أن يرسل لهم الجنود المحاربين أرسل الوعاظ والمرشدين لينصحوا أصحاب طليحة ومن معه، ويعلموهم مبادئ الإسلام وحقيقته، ولينهوهم عما هم مقدمين عليه وما سيجر عليهم، فلم يسمعوا لهم نصحاً، بل حملوا السِّنان في وجه اللسان الناصح.

لقد قاتلهم أبو بكر قرب المدينة بنفسه، ثم قرر أن يعقد أول لواء لتأديب المرتدين والقضاء على أمرهم بقيادة سيفِ الله خالد بن الوليد.

توجه خالد إلى بني أسد الذين أخذوا ينشرون بين القبائل الأخرى دعوة طليحة الكذاب ونبوته. ومن بعد بني أسد لا بُد من تأديب بني تميم وبني حنيفة اللذين شدوا على أزره وأيدوا دعوته الكاذبة.

أربعة آلاف فارس ساروا مع خالد، وكان في هذا الجيش عدي بن حاتم الطائي الذي استطاع أن يقنع المرتدين من بني طئ الذين انضموا إلى جيش طليحة فعاد منهم ألف فارس إلى جيش خالد.

والتقى الجمعان في بني أسد، وجيش طليحة يزيد ألف فارس على جيش خالد. ودارت المعركة. واستقتل الطرفان. فالعاقبة لمن يصمد فينتصر والذل والهوان لمن يفر من الميدان هارباً.

دارت رحى الموت على جيش طليحة، فهذه مطحنة خالد تستهلك أغلب جيش طليحة، وانهزمت بنو أسد ومن وقف بجانبها، وجاء بعض بقايا جيش طليحه الذين راحوا يتشبثون بادعاءات طليحة ويتعلقون ببقايا خيوطه الواهيه ونبوته الكاذبه.

 هنا عرف طليحة أن حبل الكذب قصير، ولابد من وضوح الحق والرؤية فوثب على فرسه، وأردف امرأته خلفه ثم انطلق فاراً نحو الشام يسابق الرياح .

وهنا عرف الذين معه ما كان يدعيه طليحة وأن كل أقواله محض افتراء.

وكسر خالد شوكة المرتدين وانهزم طليحة ومن معه.

 طليحة في الشام

التجأ طُليحة إلى الشام فلبث عند بني كلب نحو سنتين لاجئاً، وكان قد ندم على ما بدر منه من ردة ومقاومة للإسلام، فثاب إلى رشده، وآمن مرة ثانية، ولكنه في هذه المرة آمن عن صدق ويقين و تاب توبهةً نصوحاً، وندم على أيام الردة السابقة.

 جاء طليحة إلى المدينة معتمراً، فلما مر بجانبها شاهده المسلمون فخافوا من وجوده، وهو رجل له ماضٍ أسود، فأسرعوا إلى أبي بكر وأخبروه فقال: ما أصنع به خلوا عنه فقد هداه الله للإسلام .

هنا تبدو عبقرية أبي بكر الذي قاوم المرتدين بكل ما يملك من قوة، فلما تلاشت وتبددت لم يكترث لطليحه واعتبر حضوره للمدينه حضور أعرابي عادي جاء يريد الدخول في الاسلام.

وقد حظر أبو بكر على كل من سبقت له ردة أن يساهم في الفتوحات، فظل طليحه قعيد بيته طوال تلك الفتره ما بين إسلامه و وفاة أبي بكر.

 لكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما استتبت الأمور في الجزيرة العربية و بدأ المسلمون ينشرون الإسلام في الآفاق سمح لمن سبقت له ردة بالمشاركة في هذه الفتوح شريطة أن لا يتسلموا قيادة عامة. 

  عاد طليحة إلى مساكنه في بني أسد فقام بها حتى خرج في جيش سعد بن أبي وقاص لفتح العراق، وكان الجيش بضعاً وثلاثين ألفاً، منهم ثلاثه آلاف من بني أسد أحدهم طليحة مقوداً لا قائداً.

شجاعة طليحة الأسدي في القادسية

جاء جيش الفرس بأكثر من مائة ألف جندي وآلاف الخدم والسحرة ، وعسكرت هذه الآلاف قرب النجف والقادسية . 

سمع سعد بمقدم الفرس فأرسل طليحة من صنادید جنوده لاستكشاف الجيش الفارسي ومكانه وأسر أحد جنودهم لمعرفة الأسرار والأخبار عنهم .

 كان طليحة لوحده في مهمة ، وكان عمرو بن معدي كرب في مهمة مماثلة مع خمسة رجال . وسار طليحة ، وسار عمرو ومن معه ، شاهدوا جيش الفرس يقبع تحت نخيل العراق في النجف ، كانت مهمة طليحة هي استكشاف معسكر الجالينوس الذي يعتبر مقدمة جیش رستم .

 عاد عمرو وجماعته وتابع طليحة لوحده على فرسه حتى وصل إلى جيش رستم ليلاً وتسلل إلى داخله في جنح الظلام ، وطوال الليل كان طليحة بين خيامهم يتجول . وقبل الفجر بقليل انتقى طليحة جواداً وربطه بلجام فرسه ، ثم انطلق يعدو بسرعة مذهلة ، وشعر به الفرس ، فانطلقوا في أثره نحو القادسية.

 وحينما بدأت أشعة الشمس تغزو الظلام ومع خيط من خيوط النور

  •  استطاع أحد الفرس أن يصوب رمحه نحو طليحة لكن طليحة شعر به فمال عن جهة الرمح فانكب الفارس حتى صار أمام طليحة فطعنه طليحة برمحه فقصم ظهره ، ثم تابع انطلاقته .
  •  ولحق به آخر فكان مصيره مصير سابقه .
  •  وجاء ثالث ، فاضطره طليحة للاستسلام وأسره ، ثم أرغمه على الجري على قدميه حتى بلغ معسكر المسلمين .

ودارت معركة القادسية ، كان طليحة فيها خطيباً يحث المجاهدين على الصبر والمجالدة ، كما يحضهم على الصمود والإستبسال ، ويغرس في نفوس إخوانه الحماس والثبات.

بالإضافة إلى حملاته المتكررة على الأفيال وقتل ركابها . وكان يهاجم جحافل الفرس المتفوقة بالعدد والعُدة كلما حاولت التقدم إلى المسلمين . فهو الذي يخفف ويعيق تقدمها، ويقوم بهجمات مضادة ، ويطارد ويهاجم وينقض على تجمعاتهم. 

سمع عمر ببطولات القادسية فأرسل أربعة أسياف وأربعة أفراس مكافأة منه لأبطال المعركة ، وتقديراً منه لجهودهم وتكريماً لهم وهم أحياء . أما الشهداء فيتم تكريمهم بالذكر الحسن ، والإطراء الجميل ، والإحسان والبر والرعاية لعائلاتهم.

كان نصيب طليحة أن حظي بقسط من هدایا عمر التكريمية، فقد أخذ سيفاً من تلك السيوف ، رمزاً للبطولة والتضحية ، واعترافاً من سعد قائد القادسية بجهود طليحة الحربية.

انتصر المسلمون على الفرس في القادسية ، وتابعوا سيرهم ففتحوا المدائن وجلولاء . وكان طليحة أحد أبطال المعارك التي تدور رحاها يومياً . 

رأي طليحة في نهاوند

حاصر المسلمون نهاوند حصار طويلاً ، كانوا يتناوشون أحيانا ثم يعود كل فريق إلى مكانه ، الفرس إلى قلعتهم والمسلمون إلى معسكرهم في العراء .

 وأطل شتاء عام ٦٣٩ - ٦٤٠ م والحصار لا يزال لتلك القلعة الحصينة ، فاضطر النعمان لعقد مؤتمر حربي لذوي الفكر والدهاء لتداول الأمر وبحثه ودراسته. 

قال بعضهم : نتحصن أمام الفرس ونناوشهم حتى يفتح الله على المسلمين.

وقال آخرون : نشن هجوماً على خنادقهم ونباغتهم القتال.

وقال بعضهم معلقاً على هذا الرأي : إن الهجوم على الخنادق كمناطحة الجدران. 

وجاء دور طليحة ليعرض رأيه كما يلي :

  1.  أن تتحرش فرقة من فرسان المسلمين بالمجوس وتغريهم على الالتحام مع المسلمين. 
  2.  أن تتظاهر هذه الفرقة بالتقهقر والإنكسار أمام المجوس إذا ما حاولوا أن يطاردوا هذه الفرقة ويورطوهم في الخروج من الحصن. 
  3.  أن يترصد المسلمون جميعاً لجيش الفرس ويأخذواحذرهم.
  4.   عندما يخرج الجيش الفارسي ليطارد تلك الفرقة الإسلامية المتقهقرة فإن الجيش الإسلامي يخرج ويطبق على جيش الفرس بحيث يقطع عليه خط الرجعة ، بعد أن أصبح مكشوفاً في العراء خارج القلعة ، فيباد الجيش بكامله أو يفر هارباً.

وافق النعمان وكبار القادة على خطة طليحة ، وكانت فرقة المناوشة والتحرش بقيادة القعقاع بن عمرو التميمي ، حيث دق مع جماعته أبواب الحصن بسلاحهم ، وخرج الفرس فتراجع القعقاع ومن معه ، وقد أثخنتهم الجراح.

 لقد قاموا بتنفيذها كما أراد طليحة ، فآتت ثمارها كما هو المتوقع . واستطاع المسلمون أن ينتصروا نصراً عزيزاً ، وأن يفتحوا قلعة نهاوند الحصينة . ولكنهم فقدوا هناك قائدهم النعمان بن المقرن وطليحة الأسدي وصحابة آخرون شهداء.

 وداعاً طليحة

هكذا أطل طليحة الأسدي على التاريخ في البداية ، قاطع طريق انتهازياً ، محارب دعوۃ ، مرتداً رجعياً ، كذاباً مستبيحاً كل شيء في سبيل الوصول إلى ما يصبو إليه ... تلك صفحته في جاهلیته ، وصفحات الجاهلية كلها إلى بوار .

وأفاق من غفوته وغروره وتمرده . وفتح عينيه إلى نور الحقيقة الأبلج ، فرأى الحق والحقيقة في غير ما يسير عليه ، فانحرف إلى جادة الصواب نادماً على أيام الماضية, فسقط على أبواب نهاوند شهيداً  بعد أن تحقق النصر الحاسم والفتح العظيم.

لقد محا طليحة ماضيه الأسود ، ونال شرف الشهادة في سبيل الله ، على سفوح « نهاوند » .

نبض أقلام
بواسطة : نبض أقلام
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-