الصدق في الإسلام خلق عظيم ، أساسه الالتزام بالحق في الأقوال والأعمال .
وهو من أهم أسس تربية الأفراد، وبناء المجتمعات واستقرارها، به يفرض التعاون بين الناس، وتعمهم الثقة ، ويشملهم التحاب. فاذا حكم الصدق سلوك الأفراد والجماعات ، وتمسك به الناس في كل الظروف والأوقات ، صلحت أمورهم ، وترقت أحوالهم ، ولم يكن لغير الحقائق وزن فيما بينهم.
وقد أجمع الناس في كل العصور على استحسان الصدق، والترغيب فيه والحث عليه، وعلى استبشاع الكذب ، والترهيب منه ، والزجر عنه.
والكذاب لا يأتي بخير في أي عمل كان، لأنك لا تجد منه الا الخيانة والتلاعب والتزوير، والغش ، وتغيير الحقائق.
والانسان الواعي يبحث في حياته كلها عن الصادق : حاكما كان أو موظفا ، عاملا أو تاجراً ، معلماً أو صديقاً ، لانه اليه يطمئن ، وبه يثق ، وعليه يعتمد.
أهمية و قيمة الصدق
- الصدق مصلحة انسانية ، لما فيه من خير ونفع يعود على الأفراد والجماعات .
- والصدق ضرورة اجتماعية ، فبدونه لايقر للمجتمع قرار. ويمكنك أن تتصور مجتمع حاكمه کاذب ، وعالمه كاذب ، وموظفه كاذب ، وعامله کاذب ، وتاجره كاذب ، فكيف تكون حال هذه المجتمع ؟.
- والصدق طمأنينة نفسية ، فالكاذب لا يطمئن ولا يستقر ، وانما يعيش في حيرة واضطراب وقلق ،فالصدق طمأنينة و الكذب ريبة.
أنواع الصدق
يتسع مفهوم الصدق في الإسلام ليشمل :-
- الصدق في العزم : فاذا عزم الانسان على خير فعله ، واذا نوی عملا صالحا قام به .
- الصدق في الأعمال : وذلك بأن يكون الانسان مخلصا لله فما يصدر عنه من أعمال، فلا يدفعه إليها رياء او نفاق ، ولا تدل على شيء لا يتصف به في الواقع ، بل سره وعلنه سواء.
- الصدق في الأقوال : وذلك بأن يجتنب الانسان الكذب فيا يصدر عنه من کلام وحديث.
تعدد صور الصدق
وتتعدد صور هذا المفهوم الشامل للصدق وتتنوع ، لتستوعب جميع مجالات الحياة . وأكثرها أهمية ما عم نفعه ، وكثرت فائدته ، وعاد على الانسان بالخير في الدنيا والآخرة ، وذلك عندما يتعلق بأمور الدين ، وقضايا الأمة ، وحقوق الناس وأعراضهم ومصالحهم. ومن هذه الصور :-
- صدق العبد مع ربه : وهو أشرف صور الصدق وأجلها . وذلك بأن يكون الانسان ملتزماً في جميع أحواله بما أمر الله سبحانه وتعالى ، فلا يعرف في أقواله وأعماله ، وسره وعلنه ، الا الصدق مع ربه . ويتجلى صدقه هذا بأن يجاهد في سبيل الله ، ويضحي من أجله بماله ونفسه . ومن صدق العبد مع ربه صدقه في التوبة ، لأنها ندم على فعل الذنوب وعزم على تركها وعهد مع الله على عدم العودة اليها . وواضح أن صدق العبد مع ربه تدخل فيه جميع صور الصدق الأخرى.
- الصدق في بيان الأحكام الشرعية : أن من أخطر صور الكذب وأشدها إثماً الافتراء على دین الله ، والتقول على شرعه ، والتغيير والتحريف للأحكام الشرعية ، ارضاء للأهواء والشهوات ، وخدمة للاغراض والمصالح، وتزلفاً لأصحاب الجاه والمال والسلطان.فصدق العلماء في الأحكام الشرعية من أهم ما تحتاجه الامة نصحاً للمسؤولين فيها ، و بیاناً لحكم الله على تصرفاتها ، دون نفاق أو انحراف . وكذلك فان صدق العلماء في جميع حقول المعرفة من الأمور المهمة التي يتوقف عليها تقدم المجتمع الانساني . فلقد وجدت نماذج كثيرة من التزوير والكذب في معرض الدراسات العلمية ، مما غطى على كثير من الحقائق ، وجر على المجتمع الانساني انواعاً بالغة من الضرر.
- صدق الحكام والمسؤولين : ومن أهم صور الصدق وأكثرها أهمية صدق الحاكم في تعامله مع الأمة ، فيدير أمورها ، ويتعامل معها ، ويخاطبها بأمانة ، دون كذب أو خيانة . ومن هذا : الصدق في أجهزة الاعلام والتوجيه ، فان تغيير هذه الأجهزة للحقائق ، وتلاعبها بعقول الناس وأحاسيسهم بما تنشره من أكاذيب يوقع الناس في المهالك ، ويعرضهم لأشد أنواع التضليل والخداع .
- صدق الناس في تعاملهم بعضهم مع بعض : ان اعتماد الکذب أسلوباً في التعامل بين الناس يجر عليهم أنواعاً من الشرور والآثام ، فتكثر المنازعات ، وتنعدم الثقة ولا يعود المجتمع يعرف طعم الاستقرار، ذلك أن الكذب يكمن وراء معظم منازعات الناس وخلافاتهم. والعلاقة بين الأصدقاء اساسها الصدق في كل الأحوال وجميع الظروف : الصدق في المودة ، الصدق في المشاورة والنصح ، الصدق في كل تعامل بينهم ، فقد سمي الصديق صديقا من الصدق .ومن أسوأ ما يعتاد الناس من الكذب ، الكذب في نوعية السلع وأسعارها في التجارة ، وخاصة اذا رافق ذلك الحلف الكاذب لانفاق السلعة . فتجد التاجر يقسم اغلظ الايمان في أمور تجارته وهو كاذب ، وقد نبه الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه إلى إثم ذلك ووزره في أحاديث كثيرة . ومن نماذج الكذب في التعامل بين الناس الاخلاف بالوعد، فبه تضيع المصالح ، وتهدر الحقوق .
- الصدق في الشهادة : ندد الاسلام ايما تنديد بالكذب في الشهادة ، ودعا المسلم إلى تحري الصدق في شهادته ، ولو كانت على أقرب الناس وأحبهم اليه . والكذب في الشهادة يضيع الحقوق ، ويشجع الظلمة والفساق على أموال الناس وأعراضهم ، ويفسد القضاء الذي هو ملجأ الناس عندما تتهدد حقوقهم بالضياع.فما أشد إثم أولئك الذين يبيعون شهاداتهم بثمن بخس دراهم معدودة ، أو حرصا على قرابة او صداقة ، أو خوفا من سلطة أو جاه . لذلك كله عد الاسلام شهادة الزور من الكبائر. والصدق أمام القضاء ليس مطلوباً من الشهود فحسب ، بل هو مطلوب من الخصوم ومحاميهم. وان استباحة الكثير من هؤلاء للكذب ، وتفننهم فيه من أكثر ما تشكو منه المحاكم في هذه الأيام .
- الصدق في المزاح : اعتاد كثير من الناس الاستهانة بالكذب وقت المزاح ، فتجدهم من أجل اللهو، او اضحاك الناس يتبارون في نسج القصص ، وتلفيق الحوادث . فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول الا حقاً.
- الصدق في تربية الأطفال : دعا الإسلام إلى تربية الأطفال على الصدق ، والتعامل معهم به ، فلا يجوز الكذب عليهم حتى لا يتعودوا عليه ، ويتخذوه أسلوباً في حياتهم . فان الأخلاق التي يعتادها الطفل في صغره ، والسلوك الذي يؤخذ به في طفولته هما اللذان يحددان في معظم الحالات اخلاقه وسلوكه في كبره .
- وهنالك صور أخرى للصدق لا يتسع المجال للحديث عنها منها : الصدق في الاعتذار عن خطأ ارتكب او ذنب وقع ، والصدق في المدح ، وصدق الدولة الاسلامية في تعاملها مع الدول الأخرى .
بعد هذا العرض يتضح لك أن خلق الصدق من أهم ما يحتاجه أي مجتمع يريد ان يربي أفراده تربية صحيحة ، ويريد أن يبني نفسه، و يسير في طريق الرقي والتقدم .
وعليه فان من أهم واجبات الأسرة وأجهزة الاعلام والتوجيه والتربية في مجتمعنا ان تركز على العناية بهذا الخلق العظيم ، وان تعمل بكل الوسائل من أجل تربية أفراد المجتمع على التمسك به في كل الأحوال .