الطب الصيني : أنحن من أنصاره؟

الطب الصيني : أنحن من أنصاره ؟

 

  إن الحديث عن الطب الصيني يمتاز بأنه حديث ذو شجون طويل وشائق وشائك كما أنه حديث قد يروق للبعض ولا يروق لكثيرين .

والكثير منا كأشخاص عاديين أو كأطباء قد يكون له موقفاً ما من الطب الصيني والأشكال الأخرى الكثيرة المنبثقة من الطب الصيني أو المبنية على أفكار الطب الصيني والتي تستخدم وسائل متطورة حديثة في تطبيق هذه الأفكار .



هل نحن من أنصار الطب الصيني


وكأي فكرة أو نظرية أخرى من الأفكار أو النظريات التي عرفها الإنسان عبر تاريخه الطويل فإن للطب الصيني وأفكاره وطرقه كثير من الأنصار وكذلك كثير من الأعداء وهذا أمر طبيعي ولكن لابد للمواقف أن تكون مبنية على أسس علمية منطقية قوية حتى يتخذ الواحد منا موقفاً سواء سلبياً أو إيجابياً من أي أمر وليس فقط ليقال أن له موقفاً ! .

واعتقد أن الموقف المحايد أي لا مع ولا ضد في حال عدم التمكن من اتخاذ الموقف المناصر أو المناهض لعدم توفر الأدلة أفضل بكثير من اتخاذ أي موقف فقط اتباعاً لرغبة الآخرين أو مجاملتهم أو التعبير عن الإخلاص عن طريق التأييد والتصفيق للمتبوع دون أن يكون التابع مقتنعاً بما ذهب إليه المتبوع.

إن البعض يشتم الطب الصيني لأنه قديم والبعض يشتمه لأنه تلقى علومه الطبية في أوروبا أو أمريكا وهو غير شائع في هذه الدول .

ومنهم من يعادي الطب الصيني لأنه لا يستطيع تغيير أو فهم أو إدراك الأفكار التي معظمها غير كافٍ لتبرير اتخاذ موقف معادي من هذا الطب العريق ، أما البعض الآخر فإنه يبرر هذا الموقف بشكل ما جدير بالتقدير والاحترام .

إن كثير من المختصين الذين حاولوا إكتشاف الحقائق حول الطب الصيني قد وجدوا  أن هذا الطب وهذه الأفكار جديرة بالاحترام والتقدير.

ومحاولة الفهم والإدراك وقابلية التطبيق لما تحتويه من أمور طبية عظيمة قد تخدم عدد هائل من المرضى وتحسن حياتهم وتخفيف معاناتهم بتكاليف قليلة وبفاعلية عالية ومضاعفات قد تكون معروفة أو بسيطة جداً خاصة إذا طبقت هذه الأفكار بشكل جيد ومناسب وعن معرفة وإدراك .

وقد تبين لهم أن الطب الأوروبي الحديث والطب الصيني القديم يتلاقيان في مواطن كثيرة جداً حيث يتفق الجوهر مع اختلاف فقط في المسميات والرموز والطرق وأساليب التعبير عن ذلك الجوهر .

والملاحظ أن المثير للاستغراب والاستنكار لدى منكري الطب الصيني من أنصار الطب الغربي, اعتماد الطب الصيني بشكل كبير على استخدام الرموز لتوضيح العلاقة بين الصحة والمرض وارتباط الأعراض بأعضاء معينة في الجسم والعلاقة بين الأعضاء والأجهزة المختلفة في الجسم..

فمثلاً نظرية اين-يان في الطب الصيني والتي هي من أهم أساسيات الطب الصيني ترمز ب "اين" إلى القوة والنشاط والحيوية والدفء والحرارة, أما "يان" ترمز إلى النقيض أي إلى الضعف والبرود والسلبية وعدم النشاط .

وتفترض هذه النظرية أن الصحة تعني حالة الاتحاد المتوازن بين " اين و يان "فإذا ما اختل هذا التوازن اختلت الصحة فإذا سيطرت أو غلبت "اين" ظهرت أمراض معينة ناجمة عن زيادة نشاط عضو أو جهاز في الجسم مثل الحمى أو الصداع أو التشنجات العضلية والعصبية أو القلق واضطراب النوم أو القيء والإسهال أو ما إلى ذلك .

أما إذا سيطرت وضعية "يان" فينتج عن ذلك أمراض لها ميزات وأعراض ناجمة عن خمول أو قصور أو ضعف بعض الأعضاء أو الأجهزة في الجسم .

فمثلاُ خمول الجسم وقلة نشاطه وضعف تحمله للمجهود العضلي قد يكون سببه قصور في عمل الكبد (تشمع الكبد أو التهاب الكبد مثلاً) أو اضطراب عمل عضلات الجسم وعدم انتظام عمليات إنتاج الطاقة فيها.

أو مثلاً قلة أو ضعف نشاط الأمعاء مما ينتج عنه الإمساك مثلاً أو نقص تروية عضلة القلب مما ينتج عنه قلة تحمل الجسم للمجهود العضلي أو شلل الأطراف أو ضعفها الذي قد ينجم عن اضطراب العمليات الحيوية في الأعصاب المغذية لها مما يحد من نشاطها.

ومن هنا نرى أن الطب الصيني يقسم الأمراض إلى قسمين رئيسيين إما أمراض أو أعراض "اينية" أي نسبة إلى "اين" أو "يانية" أي نسبة إلى "يان".

ونجد ما يشبه هذا التقسيم في الطب الحديث فمصطلح "اين" يعبر عنه الطب الحديث بقوله : التهاب أو زيادة وظيفة hyper-function لعضو ما ينجم عنه حمى أو ارتفاع وتيرة وظيفة ذلك العضو .

أما أمراض "يان" في الطب  الصيني يعبر عنها الطب الحديث بمصطلحات عديدة منها : سوء تغذية Dystrophy أو هبوط وظيفي hypo-function أو اعتلال وظيفي Dysfunction أو ضعف عصبي pareses أ, شلل paralysis وهكذا . 

التشخيص المرضي بين الماضي و الحاضر

يعتمد الطب الصيني في التشخيص المرضي على نفس المبادئ التي يعتمد عليها الطب الحديث مع اختلاف الطرق المستخدمة من قبل الطرفين ؛ 

فالطب الصيني يعتمد على التاريخ المرضي أو ما يسمى في الطب الحديث anamnesis أو history .

وتأمل شكل المريض ولون عينيه ولسانه وجلده ووضعية جسده ومدى وعيه أو ما يسمى في الطب الحديث inspection.

وفحص ودراسة ملمس الجلد ودرجة حرارته أو برودته والنبض وقوة العضلات والإستجابة للمثيرات الحسية السمعية والشمية واللمسية أو ما يسمى في الطب الحديث examination وهكذا نجد أن الرموز والمصطلحات مختلفة ولكن المسميات واحدة .

وقد استطاع الاطباء القدامى مثلاً معرفة صفات النبض بدقة كبيرة ومدلولاتها المرضية وهذا يستدعي خبرة ومهارة فائقة لدى الطبيب .

في حين أن أطباء اليوم وبسبب اعتمادهم على أجهزة التشخيص المتطورة جداً لا يكادون يعيرون انتباهاً ولا يبذلون جهداً لمعرفة هذه الأمور الدقيقة بمعزل عن التكنولوجيا الحديثة.

فالطبيب اليوم يزور مريضه فلا يلمسه بل ينظر إلى لائحة مراقبات الممرضة التي تكتب هذه الملاحظات على جدول المراقبة المسمى بobservation والذي يسجل به درجة حرارة المريض ونبضه وضغطه وعدد تنفسه وكمية السوائل التي تناولها وكمية البول الذي أخرجه والأدوية التي أعطيت له وأي ملاحظات أخرى يراها الطبيب ضرورية .

وينظر الطبيب إلى تخطيط القلب وتخطيط الدماغ وتقرير الصور الشعاعية والفحوصات المخبرية ونتائج الفحوصات والتقارير الكثيرة التي أمر بها لمريضه ومن ثم يمسك قلمه ويكتب وصفته ويمضي إلى مريض آخر !!... 

وقد أدى هذا التطور إلى فقد الصلة الحقيقية بين المريض والطبيب.

وأرجو أن لا يفهم من هذا الكلام أننا ضد هذا التطور التكنولوجي العظيم..

إلا أننا ندعوا إلى أن تكون العلاقة بين المريض والطبيب أكثر متانة ودفئاً وإنسانية..

وأن لا تؤدي التكنولوجيا إلى الإساءة إلى علاقة الطبيب مع مريضه وعدم تحول مهنة الطب إلى هندسة صحية بحيث يتحول الطبيب إلى مهندس يجلس وراء مكتبه وتأتيه المعلومات والتقارير والفحوصات كاملة عن مريضه ويقوم بدراستها وتشخيص المرض ووضع العلاج!!... 

فإذا كان بالإمكان إدخال هذه المعلومات إلى جهاز حاسوب وهو بالإمكان فعلاً بواسطة شخص مدرب ، فإن الحاسوب سيكون أدق وأسرع في دراسة هذه النتائج وإعطاء الحل المناسب والعلاج الملائم لهذا المريض!!...

إذا فلا داعي للرجوع إلى الطبيب وما على المريض إلا أن يذهب إلى المختبر لإجراء تحاليل مخبرية للدم والبول والبراز وإجراء الفحوصات والصور الشعاعية ثم إدخال نتائج هذه الفحوصات إلى الحاسوب واتباع إرشادات وأوامر الحاسوب وتناول الدواء الموصوف من قبله .

وقد حاول مهندسون وأطباء في دول عديدة تصميم جهاز حاسوب مزود بمعلومات طبية وأسئلة يوجهها الحاسوب للشخص وما على الشخص إلا الإجابة بنعم أو لا ، وفي النهاية يعطي الحاسوب التشخيصات المرضية المحتملة أو الفحوصات المخبرية المقترحة أو إجراءات ما ...

إلا ان هذه المحاولات لم ولن تنجح في يوم من الأيام في أن تجعل هذا الصندوق العجيب -الحاسوب- من أن يكون البديل للطبيب الإنسان البسيط المتواضع ذو الأحاسيس والمشاعر الحية التي يحتاجها المريض أكثر من الدواء نفسه . 

و يبقى السؤال: هل نحن من أنصار الطب الحديث أم من أنصار الطب الصيني ؟؟ 

نحن من أنصار الطب سواء أكان غربياً أم شرقياً ما دام يهدف إلى مصلحة الإنسان أولاً وآخيراً وما دام يهدف إلى رفع معنويات المريض المحتاج.



نبض أقلام
بواسطة : نبض أقلام
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-