كيف نعيش حياتنا بعد الخمسين

كيف نعيش حياتنا بعد الخمسين

 

 

 كيف نعيش حياتنا بعد الخمسين موضوع طريف جداً يطرحه علينا المفكر المصري الراحل سلامة موسى من خلال تأملاته العميقة وتجاربه الخصبة التي عاناها، وليس الخمسين بالتحديد.. بل بعد الستين والسبعين: 

لقد درس سلامة موسى البيئة المصرية دراسة جيدة، واستخلص منها الفوائد المتعددة، فالموظف الذي يصل الى سن الإحالة للمعاش( التقاعد) يستسسلم لنظام رتيب في الحياة، ينتظر لحظات النهاية التي قد تفاجئه في أي وقت. 

وحتى صاحب الاعمال الحرة لا يخلو عقله من التفكير في الموت بالطريقة التقليدية المعروفة ومن هنا تنشأ الرؤية الضبابية في حياة الانسان، فيحكم على حياته بالفناء وهو لا يزال في قمة النشاط، قادراً على المساهمة الايجابية النشيطة التي تنقذه من همه وكآبته. 

ويقول سلامة موسى: 

إذا كان الموظف قد أعد جسمه بالنحافة والصحة، ونفسه بالاهتمامات العاطفية، وذهنه بالثقافة، فانه يستطيع أن يستبقي حيويته بعد الستين عشرات من السنين . 

ولذلك يَحسُن بكل موظف أقبل من عمله عند الستين أن يعمد فوراً الى البحث عن عمل مفيد لذيذ، حتى يحس أنه لا يزال عضواً نافعاً في المجتمع. فيزداد سروراً وتفاؤلاً وحتى يحمله نظام العمل على اليقظة الدائمة، يقظة الذهن والنفس التي تستبقي يقظة الجسم .

وهناك من الموظفين أولئك الذين تعلقوا بهواية جديدة، وهم في وظائفهم، فأولوها عنايتهم بالوقت والمال حتى برزوا فيها وأول تلك الهواية كفاح إنساني كبير الشأن لخدمة البشر، يحمل على الدراسة الدائمة، ومتابعة الأحداث، ومحاولة التأثير فيها بالخير للانسانية، وما دمنا مكافحين، فنحن شباب.


ما هي الأوهام الشائعة عن الشيخوخة؟

يحدثنا سلامة موسى عن أحد المفكرين القدامى وقد بلغ التسعين، وجده صديقه يقرأ في أحد الكتب الهامة، وقد افتتح قراءته بكلمة أحد المفكرين:( ان الموت يجذب أذني ويقول: عش، فإني قادم ). 

إن هذا المفكر قد تعود أن يُرقي ذهنه ونفسه بالقراءة، ولم يستسلم لليأس ولم يقتنع بأنه مجرد كائن في هذه الدنيا، انما هو انسان يعيش ليستمتع و يرقى وحقيقة الشيخوخة انها تبدأ في الخامسة والعشرين حين تأخذ الذاكرة في الضعف، ويستمر هذا الضعف في تزايد سنة بعد أخرى الى الموت سواء أكان في الخمسين أم الستين. 

ولكن علينا أن نتجنب الهرم كما نتجنب الموت، أي ينبغي أن نموت في الشيخوخة التي لا تزال تحتفظ بالكثير من خصائص الشباب وذلك بالمحافظة على مرونة الاعضاء ولدونة الشرايين ويسهل هذا علينا قبل الخمسين :-

  • تجنب الاطعمة التي تُحدث رواسب الاحماض.
  • المحافظة على النحافة. 
  • الرياضة الخفيفة......

وهذه هي حقيقة الشيخوخة، أما الاعتقاد بأننا بعد الستين ندخل في طور الانهيار، وأننا بعد السبعين نشرع في الخرف، وأن الرغبة الجنسية تموت عند المسنين.. وأن الخطة المثلى لهم أن يقضوا ما بقي من السنين في الفراش، وأن الجهد للإرتقاء الشخصي بعد الستين عبث يدعو الى الاستهزاء. 

ولكن هذا هو الوهم فهناك أشخاص في سن السبعين والثمانين قد احتفظوا بشبابهم، وهم يمارسون أعمالهم بيقظة ونشاط، ويستمتعون بجميع غرائز الشباب. وكل ميزتهم أنهم تعودوا عادات حسنة قبل 20 أو 30 سنة.


العقيدة الفاشية حول الشيخوخة

العقيدة الفاشية بين الناس هي أن الشيخوخة مرض أو انحطاط في الجسم. ولذلك يتجه علاج المسنين نحو الجسم فقط. 

ولكن الواقع أن أكثر أمراض الشيخوخة ثمرة الخواء النفسي والذهني،فإن ملء هذا الخواء بالاهتمامات السياسية والاجتماعية والثقافية.... مع العلم أن الجسم لا يبلى إلا بعد المائة.

 هناك في اوروبا وامريكا مدارس للمسنين تضع برامجها لخدمة الذين تعدوا الستين والسبعين والثمانين تنتشلهم من الضياع والعدم والكآبة.  

ولعل مدرسة الدكتورة ليليان الامريكية خير نموذج على هذه المدارس الحديثة، فقد أعانت هذه المدرسة الكثير من المسنين على استعادة الحياة والنشاط الدائم فيها وذلك بأن أعادتهم اليها بعد اقتناعهم بضرورة الحفاظ عليها، والمشاركة فيها عن طيب خاطر.  

ويحدثنا سلامة موسى عن رجل في السبعين كان قد استحال في البيت الى غول يُشقي زوجته واولاده بسخطه الدائم على سلوكهم، وكان عاطلاً يعيش بإيراده السنوي من أسهم في شركة تعمل في حفظ الاطعمة. 

وقد أدرك أهله أن انفجاراته في البيت نتيجة شعوره بأنه عاطل، فاقترحوا عليه أن يزور مزارع ومؤسسات تلك الشركة وقد كان. 

وبدأ اهتمامه بها، فانتشلت نفسه من الضياع والبطالة، ونشأت له اهتمامات جديدة، أصبح حريصاً عليها. ومن هنا تبددت الكآبة في حياته ونشأت بدلاً عنها يقظة نشطة للعمل الدائب والحماس المستمر. 

عندنا في بلادنا ملايين الموظفين الذين يحالون على المعاش  (التقاعد) ، لا يجدون لهم مكاناً إلا المقهى، يجلسون عليه، يبددون وقتهم دون طائل.. في حين أنهم يستطيعون تبدبد أوقاتهم في الهوايات المفيدة النافعة، وفي عمليات للإنتاج تزيد من الدخل القومي، وتنقذ أرواحهم ونفوسهم من الفراغ الرهيب.  

فهذه الجحافل الكثيرة طاقات ضائعة، من الممكن أن تكون نافعة.وما أكثر القصص التي يستطيع أن يحكيها الانسان عن هؤلاء الموظفين، وطاقاتهم الضائعة. وما يسببونه من النكد والكدر لأنفسهم ولعائلاتهم عن قرب، ذلك أن الفراغ يشل فاعليتهم.  

موظف أُحيل على المعاش (التقاعد) منذ سنوات، لم يجد شيئاً يفعله فأُصيب بالاكتئاب النفسي، شُلت حياته، لم يعد يرى فيها شيئاً يستحق الاهتمام، وعندما ثقلت حالته لجأ الى الاطباء الذين لم يستطيعوا أن يفعلوا له شيئاً وفي الحق فإن علاجه في يده، في أقرب شيء لديه، في أن يشغل نفسه بشيء يعمله، هذا هو العلاج المعقول لحالته.

 الحياة بعد الخمسين فن  ينبغي أن نحرص عليها

 العادات الحسنة الجيدة هي أساس الحياة السعيدة، وما نزرعه في العشرين والثلاثين نجني ثمرته في الخمسين والستين والسبعين.. 

وليست الحياة هدفاً في حد ذاتها، إنما الحياة معبر لتعمل عملاً مفيداً وصالحاً فيها، وهي لا تُقاس بعدد السنين التي يعيشها الانسان، انما بقيمة هذه السنين واهميتها، وكثير عاشوا سنين قليلة مؤثرة في حياة الآخرين وهناك الملايين المبددة الطاقة، والتي تحتاج الى تنظيم وتنسيق لطاقاتها المبدعة الخلاقة.



نبض أقلام
بواسطة : نبض أقلام
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-