سقوط غرناطة و اكتشاف أمريكا

سقوط غرناطة و اكتشاف أمريكا The fall of Granada and the discovery of America

 

في الثالث عشر من اكتوبر من عام 1492 م - كما تقول المصادر التاريخية - القى القرصان المأجور ( كريستوفر كولمبوس ) مراسي سُفنه مع بحارته على شواطىء العالم الجديد ( فى البقعة التي عُرفت فيما بعد باسم  أمريكا ) . و مات ( كريستوفر كولمبوس ) و لم يكن يدري أنه فتح الطريق أمام اكتشاف قارة بكاملها .

بعد رحلة شاقة كابد فيها كولمبوس أهوالا مُرعبة و تعرض خلالها لثورات بحارته المغامرين معه كمرتزقة مثله ، فقتل من استطاع ان يقتله منهم بمساعدة أعوانه المقربين اليه ، و تكفّلت الطبيعة و الأمراض الناتجة عن سوء التغذية و تغير المناخ و غيرها بقتل الباقي ، بحيث لم تكتب النجاة الا لعدد ضئيل منهم قُدّر لهم ان يشهدوا هبوطه المتلهف الى اليابسة .

و كان كريستوفر كولمبوس بحاراً محترفاً ، بل قرصاناً ايطالياً مغامراً عرض على ( ايسابيلا ) ملكة ( قشتالة ) الاسبانية ، القيام لحسابها و باسمها و باسم اسبانيا بتلك الرحلة ، فرحبت بالعرض ، و تعهدت بالانفاق عليها كاملة ، و هيأت لها من الأموال و الرجال ما جعل سفنها جاهزة للإقلاع بقيادة ( كولمبوس ) . 

و في غمرة نشوة الإنتصار ببلوغ ( العالم الجديد ) و نجاح الرحلة و ما احاطهما من دعاية مبالغ فيها الى درجة الخيال في بعض الاحيان ، نُسب الاكتشاف الى اسبانيا ، و ضاعت جنسية ( كريستوفر كولمبوس ) الايطالية ، حتى شاع عند اغلب الناس و ظنوا انه اسباني ، ولا يزالون في ظنهم ذلك حتى الآن .

من هي ( ايسابيلا ) تلك الملكة القشتالية الاسبانية ؟؟ 

نعم !! من هي ايسابيلا ؟ و ماذا يعنينا من أمرها ، و أمر رحلة ( كريستوفر كولمبوس ) ؟؟

انها في حقيقة أحداث التاريخ أبعد و أخطر من كونها مجرد ملكة أغراها قرصان بمغامرة عابرة غير مضمونة النتائج فاستجابت له .

فهي ملكة قشتالة الواقعة فى الشمال الاسباني ، و قد تحالفت مع ابن عمها ( فرديناند الخامس ) ملك ( أراجون ) المجاورة لها . 

و كان من نتيجة ذلك الحلف زواجهما و توحيد مملكتيهما ليستعدا معاً لمحاربة العرب المسلمين فيما تبقى لهم من إمارات أسرية طائفية ممزقة و متفرقة و متطاحنة فيما بينها حتى تم لهما - في نهاية المطاف - ما ارادا و ما خططا له تحقيقا لأحلام كانت تراودهما منذ زمن طويل .

كيف كان العرب قُبيل السقوط

لقد دام حكم العرب المسلمين لاسبانيا حوالي ثمانية قرون ، أسسوا فيها دولة عظيمة ، و بنوا على امتدادها حضارة باهرة . 

و حين دب فيهم الوهن و انهكهم الضعف ، و نشبت بينهم الخلافات ، تفتت دولتهم ، و انهارت وحدتهم ، و تفرقوا الى دويلات صغيرة ، و إمارات لا وزن لها ، لم تصمد امام ضربات اعدائهم الفرنجة الاسبانيين الذين كانت تحركهم الأحقاد الصليبية المتعصبة الدفينة سوى مملكة غرناطة التي كانت تشكل - فى الجنوب - آخر معاقل العرب المسلمين في اسبانيا .

سقوط غرناطة

كان حاكم غرناطة هو السلطان الفتي ( ابو عبد الله محمد بن ابی الحسن علي الغالب بالله ) الملقب ( بأبي عبد الله الصغير ) . 

و كانت الملكة ( ايسابيلا ) و ابن عمها و زوجها ( فرديناند ) يستغلان ما آل اليه العرب المسلمون من تشتت و سوء حال ، فيشددان من ضرباتهما على غرناطة و ما تبقى تابعاً لها من مدن و امارات ، حتى تهاوت امام جيوشهما ، مدينة بعد مدينة ، و امارة بعد أخرى . 

و بقيت غرناطة تقاوم تلك الغارات المتلاحقة بشجاعة أبنائها الذين صمموا على التصدي لجيوش مملكة قشتالة و أراجون الموحدتين . 

و لكن تصديهم لم يدم طويلاً ، اذ سرعان ما تهاوت ـ كذلك - حصون غرناطة أمام شدة الحصار  , و وقع ( ابو عبد الله الصغير ) للمهاجمين الأقوياء وثائق المهادنة و الهزيمة ، و من بعدهما الاستسلام شبه النهائي فى عام 1491 م .

و فى عام (1492) م و هو نفس العام الذي وصل فيه ( كريستوفر كولمبوس ) شواطىء  العالم الجديد في رحلته الممولة من قبل الملكة ايسابيلا و ابن عمها و زوجها فردیناند , كانت غرناطة تشهد سقوطها النهائي و استسلامها الأبدي لجيوش ايسابيلا . 

و لم يُوقع ( ابو عبد الله الصغير ) وثائق التسليم و الاستسلام - هذه المرة - فقد كان وقعها من قبل ، و لكنه غادر غرناطة مطروداً مطارداً مع من بقي من أهله و أعوانه .

و عبر أبو عبدالله الصغير و من معه البحر الى المغرب مهزومين مخلفين غرناطة وراءهم ، تاركين السيوف تعمل في رقاب الذين ظَفرت بهم جيوش الزحف الصليبي من بقايا العرب المسلمين الذين عزت عليهم  غرناطة فاستبسلوا دفاعاً عنها حتى سقطت منهم و سقطوا معها .

تلك كانت مأساة غرناطة الدامية ، مأساة الأندلس العربي الاسلامي بكامله ، بل مأساة اسبانيا المسلمة بأسرها ....

نبض أقلام
بواسطة : نبض أقلام
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-