تُعد مراحل حياة الشعر العربي القديم مجهولة, فإن ما تُوصِل إليه من الشعر العربي القديم لا يتجاوز القرن و النصف قبل ظهور الإسلام.
و ما وصل الينا من هذا الشعر يبدو في صورة موسيقية ناضجة, بما قد يوحي لنا بأن الشعر لا بد أن يكون قد مر قبل ذلك بمراحل من التجربة و التطور, حتى وصل إلى هذه الصورة الناضجة.
و فيما يتصل بنشأة هذا الشعر, هناك مجرد فرض يذهب إلى أنه قد نشأ متطوراً عن سجع الكهان القديم.
بحور الشعر العربي القديم
كيف اهتدى الشاعر إلى الوزن و الموسيقى, فهناك فرض يقول إن أول الأوزان الشعرية ظهوراً هو بحر الرجز, و هو بحر مرن يقترب فيه الكلام من الصورة النثرية في بعض الأحيان, و إن ظل محكوماً بنظام موسيقى بعينه, و كان الشعر حينذاك مجرد مقطعات صغيرة, يقولها الرجل في مناسبة عابرة, أو يتغنى بها لجمله يستحثه على السير, و هو الغناء المعروف بالحداء.
و يذهب المؤرخون إلى أن المهلهل هو أول شاعر نعرفه يُطيل في الشعر و يُعطيه شكل القصيدة المألوف.
ثم يمر جيلان بعده حتى يظهر أشهر شاعر في العصر الجاهلي و هو امرؤ القيس, فإذا به يُطيل القصيدة و يتفنن فيها, مستخدماً أوزاناً أخرى غير الرجز, كالطويل و المديد و البسيط و الرمل.
و قد بلغت أوزان الشعر العربي خمسة عشر بحراً, استخرجها الخليل بن أحمد - واضع علم العروض - فيما بعد, و درس تشكيلاتها المختلفة, ثم جاء بعده الأخفش فزاد عليها بحراً هو المتدارك.
المعلقات
أُشتهر من الشعر الجاهلي سبع قصائد طوال , و شعراؤها هم :-
امرؤ القيس
طرفة بن العبد
لبيد بن ربيعة
عمرو بن كلثوم
عنترة بن شداد
الحارث بن حلزة
و سُميت هذه القصائد بالمعلقات.
و يُقال إنها سُميت كذلك لأنها كانت تُكتب بماء الذهب و تُعلق على أستار الكعبة, و إن كان هذا الخبر موضع شك, و أنها لم تُسم كذلك إلا لأنها كانت أروع ما قيل من الشعر فعَلقت لذلك بقلوب الناس.
قد كان الغالب في الشعر أن يُروى و يُحفظ, لا أن يُدون. و كثير من شعراء الجاهلية لم يكونوا يعرفون القراءة و الكتابة.
عبيد الشعر
لقب يُطلق على مدرسة شعرية ظهرت منذ العصر الجاهلي , و يتزعمها زهير بن أبي سلمى .
و هي مدرسة تأخذ بالتأني في صنع الشعر, فتغير لفظاً بلفظ, و قافية بأخرى, و صيغة بصيغة, حتى تستوي القصيدة مُبرأة من كل عيب فني.
و شعراء هذه المدرسة يختلفون عن سائر الشعراء, الذين يصدرون في شعرهم عفو الخاطر و وفقاً لما يمليه عليهم الطبع ( وفقاً لحاضرنا يُطلق عليه الإرتجال).
ما هي أغراض الشعر العربي القديم؟؟
- شعر الحماسة
- شعر المدح
- شعر الهجاء
- شعر الغزل
- شعر النسيب
كان الشاعر القديم اللسان المعبر عن القبيلة, يدافع عن شرفها, و سمعتها و يهاجم أعداءها.
من أجل ذلك كانت القبيلة تحتفل احتفالاً كبيراً بميلاد شاعر فيها, و تأتي القبائل الأخرى لكي تهنئها بذلك.
و قد ارتبط قدر كبير من الشعر الجاهلي بالحرب و كل ما يتعلق بها, و هذا يُسمى شعر الحماسة.و داخل إطار الحماسة تجد الشاعر يتحدث عن المعارك الحربية, فيصف الكر و الفر, و الإقدام و الهرب, كما يصف الخيل و السلاح.
و كان شاعر الحماسة يقول الشعر في أثناء النزال لكي يُلقي الرعب في نفس غريمه, فقد كان الشاعر نفسه فارساً يغشى الحروب. و ربما كان عنترة بن شداد أبرز الشعراء الفرسان في ذلك العصر. فإذا ما انجلت المعركة , و وقع فيها بعض الفرسان صرعى, تولى الشاعر رثاءهم.
و قد كانت للعرب تقاليد في الشجاعة و الكرم تجمعهما كلمة المروءة و قد تولد عن هذا موضوعان شعريان رئيسيان هما المدح و الهجاء.
فالشاعر يمدح الشخص بشجاعته و كرمه, و يهجوه لجبنه و بخله.
على أن من شعراء الجاهلية من كان يقصد ملوك الحيرة أو ملوك الغساسنة فيمدحهم ابتغاء التقرب منهم و الحصول على عطاياهم, كالنابغة و حسان بن ثابت.
على أن الشعر العربي القديم لم يكن كله موجها للتعبير عن الجماعة , بل كان منه قدر ليس باليسير ينصرف فيه الشاعر إلى نفسه و إلى عواطفه الخاصة.
ثم كان شعر الغزل الذي يتحدث فيه الشاعر إلى محبوبته, و شعر النسيب الذي يتحدث فيه الشاعر عن النساء اللاتي عرفهن, كما صنع امرؤ القيس في معلقته.
الصعاليك
ظهرت في المجتمع الجاهلي فئة متمردة على الأوضاع الاجتماعية, تحللت من انتمائها القبلي, و أرادت تحقيق نوع من العدالة الاجتماعية.
كان أفرادها يسرقون الأغنياء و ينهبون الثروات ثم يوزعونها على كل محتاج. و تُعرف هذه الفئة باسم الصعاليك.
قد ترك لنا هؤلاء الصعاليك قدراً من الشعر, يعبرون فيه عن مبادئهم و أفكارهم و مشاعرهم الخاصة.
من أشهر هؤلاء الشعراء الصعاليك عروة بن الورد و سليك بن السلكة.
المرأة في الشعر العربي القديم
لم يكن الشعر في العصر الجاهلي مقصوراً على الرجال, بل كان النساء كذلك يشاركن فيه. و قد كان الرجال يصحبونهن معهم في الحروب, فكن عند ذاك يقلن الشعر يحمسن به الرجال على القتال.
و إذا فقدت المرأة أحد رجالها في الحرب, راحت ترثيه بكلمات أحر من الدموع, مثلما صنعت الخنساء و جليلة بنت مرة .
الشعر في صدر الإسلام
حين ظهرت الدعوة المحمدية, اكتسبت أنصاراًكما كان لها أعداء. و قد اُستخدم الشعر في هذا الصراع , إلى أن انتهى بفتح مكة, و استقرت تعاليم الدين الجديد في النفوس.
في هذه الفترة المبكرة, انصرف الشعر عن كثير من أغراضه القديمة التي ارتبطت بالعصبية القبلية, و راح يستمد إلهامه من روح تلك التعاليم الجديدة.
قد كان العرب أهل البلاغة, ينفعلون بالكلمة و يتأثرون بها أبلغ التأثير, و لذلك فإنهم حين استمعوا إلى القرآن الكريم أخذتهم بلاغته, و سحرهم منطقه, و من ثم تضاءلت العناية بالشعر.
المدائح النبوية
قد ظهر في تلك الفترة لون جديد من الشعر, يتجه فيه الشعراء بالمدح إلى شخص الرسول عليه السلام و الحديث عن رسالته, مثلما صنع حسان بن ثابت .
ظل هذا الاتجاه مستمراً طوال العصور حتى العصر الحديث, و قد كان للفرق الصوفية المختلفة عبر العصور, أثر كبير في رواج تلك الأشعار حيث يقومون بإنشادها في أذكارهم و احتفالاتهم الدينية.
المصدر