خُبيب بن عَدي

 

خبيب بن عَدي


خُبیب بن عَدي الأوسي الأنصاري
الرجل المؤمن الذي ضرب المثل الأعلى في الشجاعة والصمود والصبر.
كان:

  •  كثير العبادة.
  •  كثير الصيام.
  •  يقوم الليل .
  •  ويتقرب إلى الله بصالح أعماله.

آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين عمير بن أبي وقاص شقيق سعد بن أبي وقاص  بطل القادسية .

كان خبيب أحد الذين شاركوا في غزوة بدر ، ونالوا شرفها الأسنى، وقد أبلى فيها بلاءً حسناً . تلك المعركة العظيمة ، التي كانت نقطة التحول العسكري بالنسبة للمسلمين ومنطلقاً نحو فضاء أرحب بالنسبة للدعوة.

وفي هذه الغزوة قَتل خُبيب الحارث بن عامر . حيث قرر فيما بعد المعركة أبناؤه أن يقتلوا قاتل أبيهم ويأخذوا بثأرهم ، مهما كلفهم ذلك من مال وعناء ، حتى أصبحت أمنيتهم الوحيدة هي إطفاء العار الذي لحقهم بقتل أبيهم في أول معركة بين المشركين والمسلمين.

بعث الرجيع

جاء وفد من قبيلتي « عضل والقارة » إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايعونه على الإسلام ، ويعلنون ولاءهم للدين الحنيف.

 طلب رجال الوفد من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرسل لهم عدداً من المسلمين يعلمونهم مبادئ الإسلام ويتلون عليهم القرآن ، ولينقلوا أهلهم وذويهم من الجاهلية الجَهلاء إلى نور الإسلام ، ومن قوقعة الظلام ، إلى رحاب الإيمان الواسعة. 

وكان من عادة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أن يجيب دعوة الداع ويستجيب لمطلبه ، فلا يغادره زائره إلا بروح مصدقة راضية مرضية ، حيث أرسل معهم مجموعة من المسلمين ليفقهوهم في دينهم الحنيف ، منهم : عاصم بن ثابت و زید بن الدثنة ، وعبد الله بن طارق ، ومرثد بن بن أبي مرثد ، وخالد بن البكير ، وخبيب بن عدي رضي الله عنهم أجمعين. 

سُميت هذه الجماعة ب "بعث الرجيع" حيث تناقل الصحابه ومن بعدهم أحداث إخوتهم ، وعاشوا مع سيرتهم أجمل الساعات . وأخذوا مما حدث لهم دروساً مهمة في البطولة والفداء والصبر. 

سار المؤمنون المسلمون إلى المكان المحدد لهم ، لا يدرون ما يضمر لهم القدر، ولا يدركون المكيدة التي حاكها المشركون لهم ، ليغدروا بهم على حين غرة.

وفجأة اعترضهم كمين المشركين ، يشهرون عليهم السلاح ، يريدون قتلهم أو أسرهم .

كان المسلمون قلة لا يتجاوزون أصابع اليدين ، بينما المشركون کثرة ساحقة، نحو مائة رجل أو يزيدون ، وقد تهيأوا للقتال والسلب، فاضطر المسلمون للصعود إلى جبل مرتفع ليحميهم من غدر أولئك الظالمين، ثم استنزلوهم إلى وادٍ ، فنزل المسلمون.

وطلب المشركون من المسلمين أن يستسلموا لهم ليحقنوا دماءهم ويوصلوهم إلى مكة . كما طلبوا منهم التفاوض في الأمر، وراح المسلمون يناوشونهم ويرمونهم بالسهام ، وسقط بعض المسلمين و منهم عاصم بن ثابت الذي رفض أن ينزل في ذمة كافر.ولم يبقى سوى ثلاثة هم خُبيب وزيد وعبد الله.

سار المسلمون الثلاثة  مقيدين بأغلال المشركين ، يمشون معهم في عزة وإباء فلما وصلوا الظهران جرحوا عبد الله بن طارق ،فانتزع يده من القيد وأخذ سيفه ، واستأخر عنه المشركون فرموه بالحجارة حتى قتلوه ، ودفن بالظهران وقبره هناك.

وتابع المشركون مسيرتهم الظالمة يصطحبون معهم خبيب بن عدي ، وزيد بن الدثنة فلما وصلوا مكة باعوهما فيها ، ليقتلا هناك . وحبسوهما في بيوت المشركين. 

حبسوا خُبيباً في  دار ماوية ينتظرون انقضاء الأشهر الحرم ليقتلوه ، انتقاماً لقتلاهم في معركة بدر وأحد، و انتقاماً لهزيمتهم الشنيعة في المعركتين الفاصلتين.

علم خُبيب بما سيلاقيه من مصير محتوم بأيدي جلاوزة قريش الظالمين ومشركيها . حيث أخبروه أنه سيُقتل ، ويصلب على خشبة بظاهر مكة ، وأنه مقدم على هذه النهاية بعد أيام حين تنتهي الأشهر الحرم. 

انتهت الأشهر الحرم ، وقرر المشركون تنفيذ جريمتهم النكراء ، وأعدوا خشبة الصلب " في التنعيم " خارج حدود حرم مكة. 

وسمع خبيب بما أعدوا له فطلب من ماوية سكيناً ليتطهر بها ويحلق عانته ، فما كان من ماوية إلا أن استجابت لطلبه وأرسلت السكين مع غلامٍ لها صغير ، راح يحملها إليه مسرعاً ليستحد بها .

ماذا فعلت ماوية ... ما الذي أصابها ؟!! كيف ترسل السكين مع ابنها لرجل غداً ستقتله قریش صلباً وقد أعدوا المصلبة !!! لا بد أن خبيباً سينتقم من ابنها الآن ويأخذ ثأره بنفسه قبل أن ينال منه المشركون.

 هكذا راحت تفكر ماوية،  قالت لنفسها : ماذا صنعت ؟!! أصاب والله الرجل ثأره ، يقتل هذا الغلام فيكون رجلاً برجل, نسيت ماوية أن خبيباً واحد من المسلمين الذين يتحلون بأخلاق الإسلام في أقسى الظروف.

نسيت ماوية أن المسلم لا يغدر ، لا يظلم ، لا ينتقم من الأبرياء، وتناول خُبيب السكين من الغلام  ... وذهب الغلام.

وجاء طفلٌ صغير لماوية إلى خبيب ، فأجلسه خبيب على فخذه والسكين بيده ، ونظرت ماوية فرأت المنظر الرهيب ، هلعت ، وصاحت بأعلى صوتها وظنت أن ولدها سيذبحه خبيب، لكن خبيب نظر إليها وعرف ما صاحت لأجله فطمأنها خبيب و ذكَرها بأنه مسلم لا يغدر و لا يخون.

"إن الغدر ليس من شأننا" كلمات وقعت في قلب ماوية قبل أن تستقر في أذنها ، تغلغلت في أعماقها وضميرها ووجدانها قبل أن تعيها أذنها. ورددها لسانها مراراً ،وكررتها تکراراً :-

 إن المسلمين لا يغدرون ، إن الغدر ليس من شيمة المسلمين . 

فماذا يكون موقفها من هذا الدين الذي لا يأمر بالغدر ولا يأمر إلا بالعدل ، فلم تتمالك نفسها ولم تستطع أن تمسك لسانها عن النطق بالشهادتين فراحت تعلن إسلامها وتفخر به ، كما راحت تفخر بخبيب مُعلنةً أنه خير أسير و قد رأته يوماً بيده قطف عنب و لم يكن في مكة يومها قط ثمرة.

قصيدة خبيب بن عدي

  • انتهت الأشهر الحرم ، وأعد المشركون خشبة الصلب في « التنعيم » خارج حرم مكة ليصلبوه.
  • لقد نصبوا صليباً كبيراً من الخشب ، بحيث أن الرجل يصعد إليه وينزل ، ثم جاؤا بخبیب ، موثقاً بالحبال ، وكأنه المجرم يساق إلى جزائه العادل ، وكأنما قتل بريئاً ليقتل به ، وكأنما ارتكب إثماً عظيمة لا جزاء له
    سوى القتل !!!.
    • ونظر خبيب إلى المصلبة ، إلى مكان استشهاده ؛ وقربوه نحوها بعد أن فكوا وثاقه . فقال لهم : ذروني أرکع رکعتین.
    قالوا : دونك اركع ... وتركوه..
    • راح خبيب يصلي ركعتين طويلتين ، أحسن فيهما القراءة والركوع والسجود ليلقى الله بهما. ثم قال قصيدته:-

قصيدة خُبيب بن عدي

 

أول مسلم يستشهد مصلوباً

انتهی خبیب من هاتين الركعتين ، وانتهى من هذه الأبيات التي قالها على مسمع من رجالات قريش ومرآهم . يلقنهم درس في الصمود والصبر ، والتمسك بالحق الذي انبلجت عنه شمس الإسلام ، حتی أصبحت هاتين الركعتين سنة عند المسلمين فيما بعد، يصليهما كل من يقتل صبراً ، ظلماً وتعسفاً. 

قدموا خبيبا إلى المصلبة وأوثقوه على خشباتها ،وأرادوا أن يختبروه وهو في ساعته الأخيرة ليروه هل جزع أم لا، هل تغيرت عقيدته وثباته على الدين ومحبته لنبيه أم لا؟!!

صمد خبيب و لم يجزع و ثبت على دين الإسلام . کان مشهداً عظيماً ، واجتماعاً كبيراً ، وحشداً هائلاً من المشرکین حول خبيب ، كلهم يريد أن يتقدم خطوة ليرى كيف يقتل خبيب. 

وتقدم أبو سروعة يضرب خبيبا بحربة حتى قتله ,أبو سروعة يضرب بحقدٍ ولؤم ، وخبيب يردد لا إله إلا الله ، محمداً رسول الله . هذا يضرب بحربته، وذلك يردد الشهادتين، ومال رأس خبيب ، وصعدت روحه الطاهرة إلى جنات النعيم .

منظر غريب ورهيب. وجريمة لا تعرف الأخلاق والمروءة، حتى أن الذين رأوا الحادث المريع أثر في نفوسهم تأثيراً بالغاً.

حبيب بن عدي دفين الملائكة و بليع الأرض

 أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى جثمان خبیب ليفكه وينزله من فوق ذلك الصليب ، وقد تفسخ جسمه ، ثم ليدفنه. 

وانطلق عمرو ليلاً إلى التنعيم حيث انتهز الفرصة المناسبة والظروف الملائمة ، فلا يوجد أحد يراقبه أو يراه أو يمنعه ، وصعد عمرو الصليب ، وفك وثاق خبيب ، فسقطت الجثة على الأرض ، ونزل ليأخذ
الجثة فيدفنها ، ونظر فلم يجد شيئاً
اين الجثة ؟!! أين ذهبت ؟!! أين ... این ...؟؟؟

لا يدري بها غير الله . لقد انشقت الأرض ، وابتلعت جثة الشهيد المصلوب انشقت الأرض وابتلعت جثة الشهيد ، ثم التأمت وكأنها لم تنشق وضمت عليه حناناً كما تضم الأم ولدها وتخفيه من البرد.
ووقف عمرو مبهوتاً ، حائراً لما رآه من خرق لنواميس الطبيعة. 

وانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره بما حدث ، فأخبره ، وراح المسلمون يتناقلون الحدث الكبير وأطلقوا عليه "بليع الأرض" و "دفين الملائكة".

ما مات خبيب حتى لقن المشركين درساً لن ينسوه وكان درساً للأجيال التي أعقبته ، يقرأون سيرته ، ويتناقلون أخباره ، فتزيدهم شجاعة وبطولة.



نبض أقلام
بواسطة : نبض أقلام
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-